تواصلت التحرّكات الإحتجاجية والمواقف الشاجبة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
ويبدو أنّ فريق ترامب، ذا الميول اليهودية والإنحياز للكيان الصهيوني، لم يكن يتوقّع أنْ تكون ردّة الفعل على هذا المستوى، وتؤدي إلى وحدة إسلامية - مسيحية، ودعم دول أجنبية للحق الفلسطيني في مواجهة الهمجية الأميركية - الصهيونية.
وتوزّعت وسائل الإحتجاج والشجب بين قمم ولقاءات واجتماعات واعتصامات وتظاهرات ومواقف، وفي أكثر من مكان.
أما في فلسطين، فكان تقديم المزيد من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمواجهات البطولية.
لكن ما لفت الإنتباه هو تنفيذ المئات من الفلسطينيين اعتصاماً حاشداً أمام مقر السفارة الأميركية في تل أبيب، التي أعلن ترامب عن نقلها إلى القدس.
فقد انطلقت التظاهرة إلى السفارة عند السادسة والنصف من مساء أمس (الثلاثاء) بدعوة من "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية"، وبمشاركة ممثلين عن مختلف نواة المجتمع الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة منذ العام 1948.
ووقف المسلمون والدروز والمسيحيون جنباً إلى جنب، وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية ويافطات وشعارات وبينها واحدة كتب عليها: "إنّ مستقبل القدس لا يمكن أنْ يحدّده رعاة البقر الأميركيون.. نحن لا نعطي القدس للمحتل، وأميركا رأس الأفعى"، وأخرى "أميركا رأس الحية"، مع رسم تشبيهي لحيّة ورأسها صورة لترامب.
وهتف المشاركون بشعارات مندّدة بإعلان ترامب، مثل: "ما في حل ما في حل، إلا بتقليع المحتل"، "حجار حجار حجار حجار، نحمي القدس ونحمي الدار" و"حرية حرية للقدس العربية".
ويأتي هذا التحرّك ضمن سلسلة نشاطات وتحرّكات دعت إليها لجنة المتابعة العليا التي أصدرت بياناً دعت فيه إلى مقاطعة المؤسّسات الأميركية الرسمية وغير الرسمية وعدم التعامل معها على جميع المستويات، وتكثيف المقاطعة الاقتصادية للمنتوجات الأميركية.
وميدانياً، قمعت قوّات الإحتلال مساء أمس، مسيرة شبابية في شارع صلاح الدين بمدينة القدس، كان المشاركون فيها يهتفون للقدس والأقصى، ويردّدون شعارات ضد ترامب.
وأطلق جنود الإحتلال قنابل صوتية لتفريقهم، قبل الإعتداء على بعضهم بالدفع والضرب، وإخضاع البعض للتفتيش.
وسُجّلت عدّة تظاهرات في مختلف المناطق الفلسطينية، تخلّلتها مواجهات بين الشباب الفلسطينيين وجنود الإحتلال، الذين أطلقوا باتجاههم الرصاص الحي والمغلّف بالمطاط والقنابل الدخانية والغازية، ما أدّى إلى إصابة عدد منهم بجراح وحالات إغماء.
وأطلقت قوّات العدو مساء أمس، النار على شاب فلسطيني بالقرب من مستوطنة "آرئيل بسلفيت"، ما أدّى إلى إصابته بجراح خطيرة برأسه، قبل أنْ يتم اعتقاله وهو ينزف، فيما ادّعت قوّات الإحتلال بأنّ الشاب كان يحاول تنفيذ عملية طعن.
في غضون ذلك، استشهد مواطنان فلسطينيان ظهر أمس (الثلاثاء)، بانفجار دراجة نارية كانا يستقلانها في بلدة بيت لاهيا - شمالي قطاع غزّة، حيث نُقِلَ جثمانا الشهيدين إلى أحد مستشفيات غزة أشلاء.
وأعلنت "سرايا القدس" الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد الإسلامي" عن أن "الشهيدين حسن غازي نصر الله ومصطفى مفيد السلطان ارتقيا خلال مهمة جهادية".
وسارع جيش الإحتلال الإسرائيلي إلى نفي تنفيذ غارة في القطاع.
إلى ذلك، وعشيّة القمة الطارئة لـ"منظّمة التعاون الإسلامي"، التي تعقد اليوم (الأربعاء) في مدينة اسطنبول، بحث الرئيسان الفلسطيني محمود
عباس والتركي رجب طيب أردوغان، مساء أمس، ملف مدينة القدس، والخطوات الواجب اتخاذها من أجل إنقاذها، وتنسيق المواقف بين البلدين.
ووصل الرئيس عباس إلى اسطنبول للمشاركة في "القمة الإسلامية"، التي يشارك فيها قادة 47 دولة أعضاء في المنظمة، بينهم 16 زعيماً، لبحث التحرّك والرد بشكل موحّد ومنسّق في مواجهة قرار الرئيس ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدّسة، حيث سيُلقي كلمة في القمة، وسيعقد لقاءات مهمة على هامشها.
ويرافق الرئيس عباس: وزير الخارجية والمغتربين الدكتور رياض المالكي، الناطق الرسمي بإسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" حسين الشيخ، قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش، رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي وسفير دولة فلسطين لدى تركيا فائد مصطفى.
من جهته، دعا المجلس الثوري لحركة "فتح" في اجتماع عقده أمس، في مقره برام الله، بحضور عدد من أعضاء اللجنة المركزية للحركة "جماهير شعبنا للاستمرار في ثورة الغضب من أجل القدس عربية فلسطينية، وليشارك بها كل أبناء شعبنا في كل مكان، إلى أنْ يتحقّق الإنتصار على قرار الرئيس الأميركي وتراجعه عنه، فالقدس قلب فلسطين الذي لا يمكن لأحد أنْ يوقف نبضه الفلسطيني الاسلامي والمسيحي، وإنّنا
على ثقة بقدرة شعبنا العظيم المدعوم من أمته العربية والإسلامية وكل أحرار العالم على خوض غمار المعركة حتى الانتصار العظيم".
فيما أعلنت حركة "حماس" أمس، عن بدء "الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة"، ردّاً على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
وكانت "حماس" قد أعلنت الجمعة الماضي "يوم غضب أوّل" ضد القرار الأميركي.
بينما اعتبر رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو عن أنّه "لا بديل عن دور الولايات المتحدة الأميركية في قيادة العالم وعملية السلام".
هذا، وأقدمت إدارة سجون الإحتلال الإسرائيلي على نقل عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني مروان البرغوثي، من قسم العزل الجماعي إلى زنزانة العزل الانفرادي.
ويأتي قرار العزل، في محاولة لمنعه من التواصل مع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، مع التحرّكات الاحتجاجية على قرار الرئيس الأميركي، وذلك إثر بيان أصدره الأسير البرغوثي قبل أيام بمناسبة الذكرى الـ30 لـ"الانتفاضة الفلسطينية الأولى"، أكد فيه "استحالة التعايش مع الإحتلال والاستيطان، ورفض هذه الحالة، وواجب مقاومه الإحتلال والاستيطان، والإصرار على الحق المقدس لشعبنا في تقرير مصيره وتحقيق العودة والتمسّك بالقدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية كاملة السيادة".