اكد عضو الهيئة الشرعية في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ قاسم قبيسي انه في طبيعة البشر، الانسان بطبيعته مدني، وهو يختلف بذلك عن باقي المخلوقات، وهو يفتش عن الروابط التي تجمعه مع الانسان الاخر كي ينظم علاقته بطريقة اجتماعية، وهو يعيش بطبيعته حالة الفطرة بإتجاه البعد المدني، الا انه لا يمكن للانسان ان يبتعد عن الجانب الروحي، اذ لا يوجد اي مجتمع لاي دين او عقيدة انتمى ابتعد عن الجانب الروحي، كما انه لا يوجد مجتمع مادي بالمطلق، الا فيما خلا بعض الحالات الفردية التي لا يمكن ان تعمم. ولفت الى ان الدين المسيحي اهتم بالجانب الروحي كثيرا دون النظر الى حاجات المجتمع مدنيا، حتى وصل الامر بالمجتمع لرفع شعار "فصل الدين عن الدولة"، و"أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، مؤكدا انه لا يمكن انتظام الحياة من دون نظام حتى داخل الاسرة الصغيرة، كما انه لا يمكن الانتظام دون وجود جهة متابعة لتطبيق القانون.
واوضح العلامة قبيسي في ندوة حوارية نظمها مجمع الامام الحسين (ع) - الشياح بمناسبة ولادة الرسول الاكرم (ص) وحفيده الامام الصادق (ع) تحت عنوان "الادارة المدنية والمجتمعات الدينية في الرؤية الاسلامية" في قاعة المناسبات في المجمع، ان الاسلام واحد من الشرائع الذي نظر الى الانسان ببعديه الروحي والمدني، فالاحكام الاسلامية فيها جانب روحي كالصلاة والصيام والحج، وفيها البعد المدني كتنظيم البيع والشراء وامور حياتية اخرى، وقد جاء الاسلام لوضع لمساته على امور كانت قائمة في المجتمع المدني كالزواج والقوانين الاخرى، فالمجتمع المدني كان حياة قائمة واطل عليها الاسلام بتشريعاته لتنظيم هذه الحياة بشكل افضل.
وشدد على انه كمبدء ديني، من حق المجتمع ان يدير شؤونه المدنية بعيدا عن الخطوط الحمراء التي لا يمكن ان يتعداها، مع التأكيد ان الحكم بما انزل الله لا يتعارض مع شؤون الحياة المدنية. وقد تعاطى المرجع الاعلى السيد علي السيستاني مع المجتمع بكل اطيافه، ودعا الحاكم ان يدير البلاد بما تعتقد، ولا يحق للحاكم اسقاط معتقداته على المجتمع، كما انه لا يحق للاخر فرض ما يريده الا ضمن مبدأ الحوار الفكر، ولبنان والعراق نموذجين على ذلك.
واشار العلامة قبيسي الى ان الادارة المدنية التي نرتضيها هي الادارة التي لا تريد اسقاط لونا دينيا معينا، بل ادارة التي تدير شأن المجتمع كل بحسب دينه، ولو كانت حكوماتنا العربية تنظم حياة مجتماعتها على اساس مدني بعيدا عن الدكتاتورية لما وصلنا الى هذه المرتبة من المطالبة بفصل الدين عن الدولة، وهذه الامور جاءت تبعات ونتيجة لقمع الحاكم لمجتمعه.
وحول قضية المحاكم الشرعية، اكد الشيخ قبيسي ان هناك مشكلة في مكان ما بالموضوع، الا ان مشاكل المحاكم المدنية اضعاف ما تعانيه المحاكم الشرعية وهي ليست افضل حالا منها، مع التأكيد ان "القاضي اذا عدل نصف الناس له اعداء"، فالقضاء لا يستطيع ارضاء كل الناس كما ان هناك فرق بين العدل وارضاء الناس. كما ان القضاء هو دوما مورد اتهام وهناك شريحة لا ترضى عليه.
وردا على سؤال حول التربية الدينية في المدرسة، اكد العلامة قبيسي ان ما نريده من المدرسة هو تعليم الاولاد وتربيتهم تربية اخلاقية صالحة، ولنترك الدين للبيوت، فنحن يكفينا بالمدارس تربية ابناؤنا وتوجيههم اخلاقيا.
وحول موضوع الزواج المدني، اكد سماحته ان المؤسسة الدينية ترفضه جملة وتفصيلا، ولكن نحن لا نستطيع منع احد من اخذ قراراته، ونحن نسأل هنا لماذا يريد المجتمع المدني اخذ شرعية لافكاره من المؤسسة الدينية؟
واكد العلامة قبيسي ان اي انسان يخرج عن القانون يجب ان يعاقب، وعلى اي مواطن ان يحترم قانون الدولة التي يعيش بها، ولفت الى ان الحالة القمعية لا تمثل الاسلام، ولا يمكن تحميل تعسفات الحكام الى الدين الاسلامي، بل ان الحاكم وحده يحمل مسؤولية القمع.
وفي الختام اقيم حفل كوكتيل احتفالا بولادة الرسول الاكرم.