لفت رئيس الجمهورية ميشال عون، في كلمة له في اجتماع القمة الإسلامية في اسطنبول، إلى "أنّنا نلتقي اليوم في اجتماعٍ طارئ وفي الواجهة مدينة القدس، وخلف الواجهة أزمة الشرق الأوسط المستمرّة منذ عقود وعقود، جذورها تمتدّ لمئة عام"، مشيراً إلى أنّ "على الرغم من أنّ وعد بلفور نصّ بوضوح على عدم الإتيان بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية الّتي تتمتّع بها الطوائف غير اليهودية، إلّا أنّ الإسرائيليين مارسوا أبشع أنواع التطهير العرقي على أرض فلسطين".
وشدّد الرئيس عون، على أنّ "إسرائيل اليوم تتصرّف عكس مسار التاريخ، وتتحدّى التطور الإنساني والمجتمعي؛ فالفكر الآحادي يسقط في كلّ العالم، سياسيّاً كان أو عرقيّاً أو دينيّاً، والمجتمعات تسير نحو التعددية"، منوّهاً إلى أنّ "إسرائيل تعلن نفسها دولة يهودية، وتحاول التأكيد على ذلك بتهويد القدس وجعلها عاصمتها، وفي ذلك شطبٌ للهوية الجامعة للأرض المقدسة، وإلغاء صريح لرسالتين سماويتين يؤمن بهما أكثر من نصف سكان العالم"، متسائلاً "هل يمكننا تصوّر المسيحيين والمسيحية من دون القدس وبيت لحم وكنيسة المهد وكنيسة القيامة؟ وهل يمكننا تصوّر الإسلام والمسلمين من دون المسجد الأقصى ومقدّسات فلسطين؟".
وركّز على أنّ "الخطوة الّتي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر اعتباره القدس عاصمةً لإسرائيل، تُسقط عن الولايات المتحدة الأميركية صفة الدولة العظمى الّتي تعمل على إيجاد حلول تحقّق السلام العادل في الشرق الأوسط"، مبيّناً أنّه "إذا لم تتصدَّ الأمم المتحدة لهذا القرار، فإنها تتنازل عن دورها كمرجع دولي لحلّ النزاعات الدولية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، كما ينصّ ميثاقها، فينتفي بذلك سبب وجودها".
وأشار الرئيس عون، إلى أنّ "إسرائيل، ومنذ نشوئها حتّى اليوم، تعتمد مبدأ القوة وسلب الحقوق والتهجير، مستفيدة من حقّ "الفيتو" وممارِسةً الدلع الدولي؛ فالأمم المتحدة الّتي قسّمت فلسطين لم تنجح يوماً في إدانة فعلية ورادعة لإسرائيل"، مؤكّداً أنّ "الأحداث الّتي عصفت بالعالمين العربي والإسلامي خلال السنوات الأخيرة، وحال التعثّر والتخبّط الّتي وقعت فيها شعوبهما، صدّعت العلاقات بين بعض الدول الشقيقة والصديقة، وأرست الحواجز النفسية بينها"، لافتاً إلى أنّ "الصراع العربي-الإسرائيلي، والإسلامي-الإسرائيلي، تحوّل صراعاً عربياً-عربياً وإسلامياً-إسلامياً، من خلال تغذية الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، ومعلوم أنّ في التفرقة ضعفاً، وفي الضعف استفراداً، وليس عبثاً أنّ من أهمّ أمثالنا العربية "فرّق تسد"".
وأوضح أنّ "إسرائيل هي المستفيد الأوحد من هذا الواقع المستجدّ المؤسف والمؤلم، وما يحصل اليوم هو نتيجة حتميّة لانحرافنا عن الهدف"، متسائلاً "هل ننتفض في الجولة الأخيرة؟ هل توحّدنا القدس مجدّداً فننقذ تاريخنا وإنساننا وتراثنا، أم نسقط وتسقط معنا القدس وتضيع فلسطين إلى الأبد؟"، مشدّداً على أنّه "يجب التقدّم بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة بإسم مجموعة الدول الإسلامية "OIC" لتعطيل القرار الأميركي وإلزام الولايات المتحدة إلغاءه"، داعياً إلى "القيام بحملة دبلوماسية تهدف إلى زيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، والإنتقال إلى اعتبارها دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، مع اتخاذ الإجراءات القانونية والسياسية والدبلوماسية اللازمة لاعتماد القدس الشرقية عاصمة لها".
وأكّد الرئيس عون، أنّه "يجب إتخاذ إجراءات عقابية موحّدة ومتدرجة، دبلوماسية واقتصادية، ضدّ أي دولة تنحو منحى الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويجب الدعوة المشتركة لشعوب دولنا لتتحرّك في بلدانها وأماكن انتشارها، لتشكيل قوّة ضغط شعبي تساند ضغطنا السياسي والدبلوماسي"، مركّزاً على "أهمية التمسّك بالمبادرة العربية للسلام بكلّ مندرجاتها من دون انتقاص، والتوافق مع وسيط دولي نزيه للعمل على تفعيلها، كي لا يبقى أمامنا سوى العودة عنها، مع ما يترتّب عن هذه العودة من تداعيات"، منوّهاً إلى أنّ "هدفنا يبقى السلام، ولكن، لا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون احترام الحقوق".