صحيح أنّ الولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى، وتمتلك كلّ عناصر القوة، لبسط الهيمنة والنفوذ تحقيقاً لمصالحها، لكن كلّ هذا، لا يُعطي الدولة الأميركية، أو سواها، أدنى أيّ حق لسلب ما هو حق لشعبنا.
القدس كلها أرض فلسطينية، وفلسطين كلها أرض قومية، لذا، فإنّ اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال اليهودي، هو اعتداء صارخ على حقنا الثابت والراسخ، وكلّ دولة معتدية وتدعم الاحتلال يجب أن تتحمّل التبعات.
الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة لا تتأثر ولا تتأذّى من نتائج أفعالها وسياساتها، هو اعتقاد خاطئ. فأميركا مثل أيّ دولة أخرى، لها أصدقاء، ولها أيضاً خصوم، ومصالحها لا تتحقق دائماً بواسطة الهيمنة والغطرسة والنفوذ، فهناك دول كثيرة نافذة، وتمتلك القدرة للتأثير سلباً على مصالح أميركا، ومَن يدقق في اللوحة الدولية يكتشف أنّ الولايات المتحدة ليست هي القوة العظمى الوحيدة في العالم.
بما خصّ الولايات المتحدة، فإنها تعتبر القدس عاصمة للكيان الصهيوني قبل أن يعلن ترامب قراره، كما أنّ فلسطين واقعة تحت الاحتلال منذ العام 1948، وهي في مرمى الإرهاب الصهيوني منذ «وعد بلفور» 1917، لكن، رغم المجازر التي ارتكبها اليهود بحقّ الفلسطينيين وعمليات والتهجير والقضم والتهويد والاستيطان، ظلّ شعبنا متمسّكاً بحقه، مدافعاً عن أرضه، يمارس كلّ أشكال النضال والمقاومة والكفاح المسلح من أجل استعادة الحق. وبهذا الخيار المقاوم، استمرّت فلسطين قضيّة حية في النبض والوجدان والذاكرة الجمعية جيلاً بعد جيل.
وعليه، فإنّ القرار الأميركي بشأن القدس لا يغيّر في واقع الحال شيئاً، فالقدس بالنسبة للفلسطينيين ولكلّ شعبنا هي عاصمة فلسطين. وهذه حقيقة ثابتة، ومهما طال ليل الاحتلال فصبح التحرير آتٍ لا محال…
المفارقة، أنه وبدلاً من أن تبحث الإدارة الأميركية عن مخارج لما أقدمت عليه من فعل شائن لقي شجباً دولياً واسعاً، فإنّ هناك دولاً عربية وإسلامية أخذت على عاتقها مساعدة أميركا للخروج من مأزقها، وقد بدا واضحاً السقف المنخفض للمواقف العربية والإسلامية، سواء في مقرّرات مجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة قبل أيام، أو في مقرّرات قمة منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة أمس، في اسطنبول.
لقد كان حرياً بقمة اسطنبول أن ترفع سقف الموقف، أقله الى مستوى الموقف الأوروبي الرافض للقرار الأميركي. لكن يبدو أنّ معظم الدول العربية والإسلامية في حالة يُرثى لها. ولا تُصاب بعوارض الفحولة إلا حين تجتمع ضدّ بلد عربي أو إسلامي.
وللتذكير فإنّ أميركا اعترفت بالقدس كلها عاصمة لكيان الاحتلال، في حين أنّ قمة اسطنبول الإسلامية أعلنت نصف القدس القدس الشرقية عاصمة لفلسطين…!
إنّها قممُ السقوف «الواطية».