أكد وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، في كلمة له خلال لقاء نظمه قسم العلوم الاجتماعية في كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في جامعة الروح القدس الكسليك بعنوان "العمل التطوعي لطلاب الجامعة"، أنه "عندما تسلمت هذه الحقيبة صعقت بالوضع الاجتماعي الحالي، إذ تهتم الوزارة بـ 36 ألف يتيم، 54 ألف من ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى عدد كبير من العجزة والمدمنين والنساء المعنفات، فتساءلت كيف يمكنني مواجهة هذا الواقع الأليم"، معتبراً أنه "حمل ثقيل، لاسيما وأن هذا الموضوع يلامس قلب مجتمعنا، ومع الوقت، أدركت أن مؤسسات الدولة غير قادرة وحدها على إحداث التغيير المنشود، خصوصا في مجال الشؤون الاجتماعية، بل هي بحاجة إلى المجتمع المدني والمتطوعين. علما أن مؤسسات المجتمع المدني في لبنان هي الأفضل في المنطقة وحتى في العالم، فهي ترتكز في عملها على حيوية المتطوعين وطاقتهم وعطائهم اللامحدود".
واشار بو عاصي، الى "أنني لا أنكر دور الدولة في هذا المجال، لا بل تتحمل مسؤوليات كثيرة لجهة تمويل المشاريع الاجتماعية وتحديد المعايير الواجب اتباعها إضافة إلى تأمين تدريب محترف ومراقبة عمل المتعاطين في الشأن الاجتماعي، في حين يتركز عمل المتطوعين والجمعيات على المراقبة الميدانية لسير العمل"، مشدداً على "أنني أشجع كل شاب وشابة على الانخراط في العمل التطوعي، وصحيح أن العمل التطوعي هو مجاني ولكن العمل الاجتماعي ليس كذلك بل باهظ الثمن، فهناك من يهتم بطفل لا يتجاوز عمره بضعة أشهر ويؤمن له حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم حتى يبلغ ويصبح قادرا على متابعة حياته لوحده".
وذكر بو عاصي أنه "يتطور العمل الاجتماعي أكثر فأكثر وبات يحظى بأهمية كبيرة، فهو يشكل اليوم جزءا لا يتجزأ من مناهج الجامعات في العالم"، لافتاص الى أن "في لبنان، فتعمل المدارس والجامعات على تعزيز العمل الاجتماعي فيها، وأكبر دليل على ذلك هو وجودنا هنا اليوم، وتجاه هذا الواقع، لا يسعنا سوى أن نتفاءل في المستقبل وأن نتخطى الصعوبات القائمة في لبنان والمنطقة"، مثمناً "الطاقات البشرية في لبنان وقدراتها وإمكاناتها والقيم التي تتمتع بها، ولا سيما الحيوية والنخوة والمساعدة والعطاء".
كما تابع بالقول أن "هذه الطاقات هي ثروتنا الحقيقية، وينبع التطوع من إرادة الفرد الشخصية بتقديم وقته وعمله وطاقته لمساعدة الآخرين من دون أي مقابل مادي"، معتبراً أنه "يعكس الحرية الشخصية ورفض الوضع القائم، هو فعل عطاء، هو فعل ملموس تجاه الآخر، وعندما نجمع العناصر الأربعة، أي الفعل، والتجرد الشخصي، والاهتمام بقضايا المجتمع، والقيم، نصل إلى أمة فاضلة ومجتمع متطور".
وختم بتأكيد "التعاون القائم بين الوزارة ومختلف الجهات المجتمعية للوصول إلى مجتمع أفضل ومزدهر، يحترم مكوناته كافة، وينظر إلى الفرد كقيمة إنسانية قائمة بحد ذاتها بغض النظر عن لونه وعرقه ودينه ومذهبه وثروته"، معرباً عن "ايمانه بأننا سنصل إلى مستقبل أفضل".
من جهته، أكد رئيس جامعة الروح القدس الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة "التطوع، وذلك نظرا إلى ارتباطه الوثيق وانسجامه التام مع جوهر الحياة، لأن الحياة مجانية"، مشيرا إلى "وجود ما يقارب مئة مليون متطوع في أوروبا، حاليا، الأمر الذي يعكس أهمية التطوع واستحواذه على مساحة كبيرة في مجتمعاتنا، وفي ظل سيطرة المنفعية، والتجارة، والإنتاجية الفائضة والاستهلاك المفرط، يأتي التطوع ليقدم لنا صورة مغايرة لهذا الواقع ويُصحح صورة الإنسان".
واعتبر أن "التطوع جزءا لا يتجزأ من رسالتنا الرهبانية، هو ضرورة مطلقة وحاجة ملحة، خصوصا في بلد مثل لبنان حيث يعاني المواطنون، في حياتهم اليومية، من مشاكل وصعوبات جمة، وفي وجه اللامساواة السائدة في عالمنا الحاضر، والتهميش الممنهج لطبقات عديدة من المجتمع، ومآسي الحروب وويلات الطبيعة، يحسن بنا أن نتطوع، بمجانية كاملة واندفاع لا يستكين، بأفعالنا وأقوالنا، لتحسين عالمنا البائس والسير بالإنسانية المتألمة إلى مدينة أورشليم الجديدة".