أصدر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا، قراره الاتهامي في ما عُرف بـ«فضيحة الكلية الحربية» التي يقف خلفها عسكريون ومدنيون، توسّطوا لدخول تلامذة ضباط إلى الكلية الحربية. القرار الاتّهامي ثبّت دفع أهالٍ مبالغ مالية مقابل ضمانات بدخول أبنائهم المدرسة الحربية، لكن بدا جلياً وجود قرار بـ«ضبضبة» الملف وعدم كشف «المتورطين الكبار»
اعتبر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض بو غيدا، في متن قراره الاتهامي في ما عُرف بـ«فضيحة الكلية الحربية»، التي أدّت إلى توقيف ضابط متقاعد في الأمن العام وستة مدنيين بجرم قبض عشرات آلاف الدولارات من أشخاص مقابل ضمان تطويع تلامذة ضباط في الكلية الحربية، أنّ الوقائع ثبّتت إقدام المدعى عليهم الآباء أحمد ف. حسام ز. وحسين س. على دفع مبالغ مالية كبيرة إلى المدعى عليهم الرائد المتقاعد من الأمن العام أحمد ج. وربيع ش. للمساعدة بإدخال أولادهم إلى المدرسة الحربية في دورة عام 2016.
ورأى بو غيدا أنّ المدعى عليهم دفعوا المال كأجر غير واجب لإنالة أولادهم وظيفة في الجيش، معتبراً أنهم بذلك ساهموا بتحقيق عناصر المادة الجرمية. وذكر أن الوسطاء قبضوا مبالغ مالية بحجة التأثير في مسلك السلطات الرسمية، ما سبّب المسّ بسمعة المؤسسة العسكرية. لقد انطلق القرار الاتهامي من وقائع عبارة عن صفقات مالية، نفّذها الرائد المتقاعد أحمد ج. وربيع ش.، ابتزّا من خلالها أهالي التلاميذ الذين تقدم أولادهم للدخول إلى المدرسة الحربية. وقسم القرار الوقائع إلى ثلاث صفقات. الأولى بين ربيع ش. ومروان س. طلب بموجبها ربيع مبلغ 175 ألف دولار لتثبيت نجاح ابن مروان في الحربية. والصفقة الثانية بين ربيع وحسام ز. فيما الصفقة الثالثة بين زياد ا. والرائد المتقاعد أحمد ج. والتي كانت قيمتها 110 آلاف دولار قبضها الأخير بعد «زعمه» أنّ بإمكانه ادخال ابن أحمد ف. إلى الكلية الحربية. وقد توسط في هذه الصفقة زياد الذي جلب المال من والد التلميذ وسلّمه لأحمد ج. مقابل حصته البالغة عشرة آلاف دولار.
يغوص القاضي بو غيدا في متن قراره الظني بالأسباب التي دفعت أهالي التلاميذ إلى دفع مبالغ مالية لدخول الكلية الحربية، فيذكر ــ على سبيل المثال ــ أنّ سائق الكميون أحمد ف. أجاب ردّاً على سؤال: «لماذا دفعت؟»، بالقول: «نذرت نذراً لكي يدخل ابني إلى الكلية الحربية. حُلُم ابني أن يكون ضابطاً، فأصبح حُلمي أنا تحقيق هذه الأمنية له».
واعتبر بو غيدا أنه ثبت من اعترافات أحد الوسطاء المدعو زياد ا. المعروف بـ«الحاج زياد»، أن الرائد أحمد ج. طلب «هدية مالية» عبارة عن مبلغ 110 آلاف دولار مقابل تعهده بإدخال ابن أحمد ف. إلى المدرسة الحربية. واعترف الوسيط بأنّ أحمد المذكور سلّم المبلغ المالي «موضّباً بكيس» لزياد الذي سلمه بدوره للرائد المتقاعد. غير أن الأخير أنكر ما نُسب إليه، زاعماً أنه أراد خدمة صديقه فقط. وذكر أنه تسلّم من زياد ورقة مكتوباً عليها اسم التلميذ المتقدم إلى الكلية الحربية، زاعماً أنه قصد اللواء محمد خير في مقر رئاسة الوزراء، وسأله إن كان بإمكانه معرفة نتيجة ابن أحمد ف. وذكر أن خير أبلغه أن «الصبي شاطر ومشي حالو»، عندها اتصل بـ«الحاج زياد» ليبلغه بأن «الصبي نجح بكفاءته».
واعتبر القاضي أنّ إنكار الرائد المتقاعد وجزمه بأنه لم يقبض «ولا نكلة» بقي مجرّداً من أي إثبات أو قرينة أو دليل، فضلاً عن عدم إعطاء الجمل أي تبرير منطقي حول واقعة: «لماذا يختاره ابن الحيّ، وصديق العمر، والأخ (بحسب تعبيره) من بين كل الناس ويُدلي بواقعة الدفع بتفاصيلها الدقيقة بالمكان والزمان؟». وقد تبين من الرجوع إلى داتا الاتصالات الخلوية أنّ الرائد المتقاعد تواصل بشكل لافت قبل وأثناء وبعد مباراة الدخول إلى الكلية الحربية، مع زياد، وهذا ما لم يكن يحصل سابقاً. بالإضافة إلى ثبوت مخادعته على آلة كشف الكذب بحسب القرار الاتهامي. وقد اعتبر بو غيدا أن وقعة قبض الرائد الجمل ثابتة، معتبراً أن القانون يقضي لاحقاً بإلزامه بإرجاع المال ومصادرته.
أما بشأن المدعى عليه ربيع ش. فقد اعتبر قاضي التحقيق أن الوقائع أثبتت أن المدعى عليه قبض مالاً من مروان س. وحسام ز.، بزعمه مساعدة ابنيهما في الدخول إلى المدرسة الحربية.
ورأى القاضي أنه في الحالة الأولى ثبت قبض ربيع مبلغ 175 ألف دولار تسلّمه في مقهى «فيروز»، قبل يوم واحد من إعلان النتائج. ورغم أنّ المدعى عليه أنكر ما نُسب إليه، إلا أن إنكاره دُحِض بعدة نقاط. الأولى داتا الاتصالات التي كشفت اتصالاته الدائمة خلال الامتحانات لطمأنة مروان إلى أن ابنه «ماشي حالو». والثانية الوصف الدقيق الذي قدّمه والد أحد التلامذة الضباط بشأن واقعة كيفية لقائه بربيع في الزمان والمكان. فضلاً عن مرافقته لمروان إلى مكتب مدير المخابرات العميد كميل ضاهر وعدم وجود تبرير مُقنع لدوافع مروان إلى اتهامه بقبض المال.
أما في الحالة الثانية، فذكر والد التلميذ الضابط حسام ز. أنه دفع مبلغ 23 ألف دولار، فيما أفاد ابنه بأن المبلغ هو 100 ألف دولار، تمكن من تأمينه بعدما باع حصته في شقة يملكها في بيروت.
وبحسب القرار الاتهامي، فإن المدعى عليه حسام يئس بعدما كان قد تقدم ابنه مرتين إلى المباراة خلال عامي 2013 و2014 ولم يفز. ولدى إعلان دورة عام 2016، أخبره ابنه أنها آخر دورة يستطيع التقدم إليها، وإن لم ينجح سيُدمّر طموحه ولن يُصبح ضابطاً. لذلك لجأ إلى ربيع. وقد أقرّ الأخير بأنه راجع مدير المخابرات كميل ضاهر الذي أبلغه أن «الملف عند قائد الجيش». وعندما سُئل إن كان قد راجع قائد الجيش بهذا الأمر، أجاب أنه راجعه باسم جمعية المشاريع، بعلم الشيخ حسام قراقيرة، فأجابه القائد: «إذا نجح تكرم عيونكن». ولدى سؤاله إن كان قد أخذ مبالغ مالية مقابل المساعدة، ردّ ربيع بأنه كان يساعده بمبالغ مالية بسيطة، نظراً إلى وضعه الصحي، ولا علاقة لهذه المساعدة بادخال ابنه إلى الحربية.
وقرر قاضي التحقيق العسكري الأول الظنّ بالمدعى عليهم الآباء أحمد ف. وحسام ز. وحسن س. والرائد المتقاعد أحمد ج. وربيع ش. بموجب مواد من قانون العقوبات وقانون القضاء العسكري، تقضي بالعقاب بالسجن بين شهرين وسنتين.
بهذا القرار الاتهامي، يكون قد أسدل الستار على هذه الفضيحة التي لم يُذكر فيها اسم أي من الضباط أو الرتباء العاملين داخل المؤسسة العسكرية. ورغم ثبوت دفع المال، لم يُعرف من قبضه، بعدما حالت المظلة السياسية دون استكمال التحقيق، فاستُضعف المدعى عليهم ليُسجنوا 50 يوماً لا أكثر.