إنه السلام الذي غير وجه الأرض.
ابتداء من تلك اللحظة صارت مريم الخيمة التي ظلّلت الله. أصبحت الهيكل الذي فيه صار الله، بشخص المسيح، الكاهن الأكبر، ليكون الضحيّة النهائية والمضحي الأول والوحيد، كما تشرح الرسالة إلى العبرانيين.
ولوقا عندما يسرد زيارة مريم إلى اليصابات، يوحي بشكل واضح على انها تابوت العهد.
وفي كتابات الآباء مريم هي الكنز الذي احتوى كمال الحكمة في المفهوم الكتابي، أي الله.
لأنها ولدت ابن العلي الذي هو سبب وغاية كل موجود (بولس) هي والدة الله الكلمة، الحكمة، يسوع المسيح. لأنها أرضعته وربته، لانها حفضته، غسلته كطفل، لأنها رافقت نموه ساهرة على أمانه وسلامه، لأنها علمته كإبن، إيمانها، صلاتها وطاعتها. (آباء الكنيسة) الطاعة الغير مشروطة الظاهرة في جوابها للملاك: "انا خادمة الرب فليكن لي ما تقول". ولأنها سمعت سمعان الشيخ الذي، ليهيئها للصليب، قال لها "سيجوز سيف في قلبك"، لأنها واكبت ابنها حتى الصليب، وشاركته في الآلام، نستطيع أن نقول انها شاركته في الفداء أيضا. ألم يقل بولس الرسول: "اتمم في جسدي ما نقص من آلام المسيح، لأجل جسده الذي هو الكنيسة"؟ كم بالحري مريم أمه.
مجمل هذه التعابير الواردة أعلاه تجد أصولها ومعانيها في الكتاب المقدس، وهي تدل على يسوع. "من يجهل الكتاب المقدس يجهل المسيح" (القديس ايرونيموس +٣٢٠ الذي ترجم الكتاب إلى اللاتينية بطلب من البابا).
أما مطلع الرسالة إلى العبرانيين فهو يعبر بوضوح أن وحي الله أتى تدريجيا بطرق كثيرة، قبل أن يتجلى بالابن. أما عن موسى والشريعة والانبياء، لقد استعملوا لغة وثقافة مجتمعهم، أما عن الإبن فإنه هو نفسه التعبير، تعبير الله، كلمته(عب 1: 1): اَللهُ، بعدَ ما كلمَ الآباءَ بالأَنبياءِ قدِيما، بأَنوَاعٍ وَطرُق كثيرَةٍ، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه"...
لا نستطيع التعرف على الإبن إلا بمعرفة الكتاب المقدس وفهم رموزه ومعانيه. ليس فقط الإنجيل. إن مطالعة نصوص العهد القديم تساعد على تكوين صورة واضحة عن يسوع ودوره الخلاصي. فلا يعود اساس إيماننا مرتكز على ما قيل لنا وسمعنا، بل على ما لمسنا واختبرنا. لا توجد مطالعة تؤهلنا إلى رؤية يسوع متجليا بمجد عظمة الله، مثل مطالعة الكتاب المقدس.
قد يكون ايمان المسيحي الذي لا يقرأ في الكتاب المقدس ايمانا حيا، قويا، راسخا، لكنه لا يتمتع بلقاءات حميمة مع الرب. مع امكانية أن يبقى هذا الإيمان شكليا، خارجيا، جانبيا ومحبطا على شبه إيمان إبني عماوس قبيل لقائهم بيسوع اذ اخبره احدهما: "أنّ نسوةً منا قد حيرننا، فإنهنّ قد بكرن إلى القبر فلم يجدن جثمانه فرجعن وقلن إنهنّ أبصرن في رؤيةٍ ملائكة قالوا إنه حيّ. فذهب بعض أصحابنا إلى القبر، فوجدوا الحال على ما قالت النسوة. أما هو فلم يرَوه"(لو ٢٤/١٣)...
بمطالعتنا في الكتاب المقدس نفتح المجال ليسوع للسير معنا، ندعوه للدخول إلى عندنا.
كل كلمة من الكتاب المقدس، يقول اوريجانس، تشبه الزرع، قد تجد البزرة صغيرة وتافهة، إلا إنها، بعمل مزارع بارع قد تصبح شجرة شامخة.
لنعطي فرصة للرب يسوع للكلام من خلال القراءة الروحية، ولنتذوق حلاوة هذه المطالعة، لكلام الرب الطعم اللذيذ الاشهى من العسل كما يقول المزمور.
مع بداية التحضير لعيد الميلاد، لا نتردد بأخذ المبادرة بقراءة الكتاب المقدس، بمفردنا أو مع أهلنا وأصدقائنا، لأن يسوع، كما سار مع إبني عماوس، يسير معنا.