يخفي الخلاف بين رىيس الحكومة سعد الحريري وبين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ابعد اربعه أقله، وشكلت ازمة الاستقالة محطة لانفجار هذا الخلاف الذي يحمل منعطفا محوريا في العلاقة بين الرجلين.
لقد بدا واضحا وبحسب اوساط مطلعة على العلاقة بين الرجلين، بان الحريري يتصرف وكأن لا حلفاء له كما في عدة استحقاقات حكومية ورئاسية على انه يتخذ القرار وعلى حلفائه الانقياد وراءه دون نقاش او اعتراض وهو امر واجه معارضة حتى داخل تيار المستقبل الذي يرأسه ويلهمه بتوجهاته السياسية، حتى انه واجه منافسة داخل الطائفة السنية التي يتزعمها، رغم انه يمثل الشريحة الأكبر في صفوفها، لكن هذا الامر لا يصح مع حلفاء لكل منهم تاريخ في مواجهة الوصاية السورية والنظام الامني اللبناني -السوري اسوة بوالده الشهيد رفيق الحريري.
وليس خفيا بان جعجع صعب المراس في ادائه ولا يقيم وزناً الا لمصلحة العلاقات، ويحتسب بأسلوب امني خطواته التي حدت به نحو الانعزال السياسي، لكنه يتمسك بخياره السياسي الى حد «العناد » كما يصفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا يوفر طريقة لتحقيق غايته بان يكون المتقدم على كل السياسيين المسيحيين، الى حد ان في حاله الراهنة أيا منهم تضامن معه في ما يطاله من حملات واتهامات، وربما هو قادر ان يتحمل هذا الضغط عليه دون تراجع عن موقفه كما دلت سنوات اعتقاله السياسي التي بقي فيها على ثوابته.
الا ان المواجهة الحالية بين الحريري وبين جعجع تنطلق من العوامل التالية بحسب المصادر نفسها:
1- معارضة جعجع الواضحة للحريري في عدة ملفات اسوة بالكهرباء واتهام القوات اللبنانية لفريق المستقبل بالفساد والصفقات على مدى أشهر عدة، كما هو الامر تجاه وزراء التيار الوطني الحر دون ذكره اي مخالفة لأي فريق آخر، وكأنه يريد أن يشوه صورتي المستقبل والتيار الوطني الحر.
2- توجه جعجع لارضاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجملة حسابات لها صلة برغبته تقاسم المسيحيين مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وحصوله على نصف التعيينات المسيحية دون ان يسجل له اعتراض على اي موقف خلافي أطلقه عون وله علاقة بسلاح حزب الله، فيما يأمل من الحريري المواجهة ويحرض السعودية على تهاون رئيس الحكومة مع عون الذي رشحه الى رئاسة الجمهورية.
3- سعي جعجع لمد جسور وتواصل مع حزب الله لحسابات رئاسية ومهادنته للحزب وبقي على هذا المنوال حتى معركة تحرير جرود لبنان الشمالية حيث غض النظر وأرسل رسائل إيجابية، عاد وعدل عنها بعد تدخلات خارجية وفي ذاته يبلغ السعوديين عن تخاذل رئيس الحكومة امام حزب الله.
4 - استمرار التحالف بين السعودية وبين جعجع في ظل تردي العلاقة بين السعودية وبين الحريري، على خلفية ما حصل معه في الرياض، لا سيما ان تمني جعجع على رئيس الجمهورية قبول استقالة الحريري يومها كان من شأنه ان يسقط الغطاء عن رئيس الحكومة مع ما يستتبع الامر من تداعيات رغم اعتماد عون وباسيل خطة لانقاذه.
ويفضل الحريري عدم لقاء جعجع طالما لا تلاقي في المواقف بينهما سوى نظرتهما المشتركة تجاه النظام السوري، خصوصا ان نظرة رئيس المستقبل من حزب الله تستند الى ربط نزاع خلافا لمواقف جعجع وغير قوى اسوة بكل من رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل، الوزير السابق اشرف ريفي، رئيس حزب الأحرار دوري شمعون والدكتور فارس سعيد...
عدا ان الحريري يجاهر بالوضوح الذي يخيم على علاقته بكل من عون وباسيل في مقابل صعوبة التعاطي مع جعجع الذي كان يريد نسف عهد رئيس الجمهورية من باب استقالة الحريري، بما حدا برئيس الحكومة ان يمضي بالتحالف وباسيل في رسم حدود امام رئيس القوات اللبنانية الذي اراد اقتناص الفرصة لقلب الطاولة بدعم سعودي.
وتحمل خطوة وزير الثقافة غطاس خوري بالتملص من محادثة النائب ستريدا جعجع التي سعت للتحدث اليه، ابعد من تقصده جرح كبريائها، وهو الذي يتواصل حاليا مع وزير الاعلام ملحم الرياشي، وذلك على وقع محادثة هاتفية حادة بين النائب جورج عدوان وبين رئيس مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري، اذ يريد رئيس الحكومة إرهاق جعجع لدفعه لعدم معارضة الصفقات المقبلة ، وفي الوقت ذاته اعطاء إشارة للسعودية بانه سيد قراره ولن يتهاون مع من اساء اليه وهو اختار طريقا خاصة به، حيث ان جلستي المصارحة مع كل من عون وبري بعد عودته الى لبنان خلال ازمة الاستقالة، رشح منهما كلام يدل على ان زعيم سنة لبنان بات خارج العباءة السعودية.
ولا تزال الاتهامات ترفرف على العلاقة بين الحريري وبين جعجع اذ حتى حينه لم يتبين بعد مصدر «الشائعة المستطيرة» بأن رئيس الحكومة كان يستعد عبر حزب الله للدخول على خط الإعمار في سوريا ولذلك لم يؤخر توقيعه على مرسوم تعيين سفير لبنان في سوريا، مع غيرها من الاتهامات بسعيه نحو صفقات تجعله متمكن ماليا ومستقلا عن السعودية ليمتلك هامشا في دوزنة علاقته مع كل من عون وحزب الله، دون املاء سعودي عليه نظرا لتجربة سابقة في هذا الحقل تكبد من خلاله الثمن على اكثر من صعيد.
ورغم ان مسار الوضوح في العلاقة بين الحريري وبين باسيل كرئيس اكبر حزب مسيحي ممكن ان يتحالف معه رىيس المستقبل للحفاظ التسوية ودعم العهد، فان الموقف الخليجي يبقى محور ترقب الاوساط السياسية التي تربط بين اعتراض السعودية على الصيغة الحالية لقانون الانتخاب التي مفترض ان تؤمن غالبية نيابية لصالح محور الممانعة، بما سيؤدي للتوجه نحو مقاطعة لبنان واعتماد اجراءات لا تشكل ردة فعل دولية من شانها ان تستدرج الحريري للتدخل قبل تفاقمها وهو امر لن يحصل طالما ان رئيس الحكومة على هذه المسافة من دول مجلس التعاون الخليجي ومتخذا من جناح رئيس الجمهورية غطاء له وللطائفة السنية التي سجلت للمرة الاولى في تاريخ علاقتها مع السعودية موقفا يعكس تباعدا ومواجهة معها.