لا يبدو اهتمام سفارات دول عربية واجنبية بالانتخابات في لبنان أمرا جديدا. سبق وأن رصدت معظم السفارات مجريات العملية الانتخابية لتنظيم تقارير سياسية وأمنية تصبّ غايتها في معرفة المسار اللبناني: الاستقرار وموازين القوى. لكن تلك السفارات تتسابق الآن لاستطلاع النتائج المرتقبة للانتخابات التي ستجري في آيار. الاهتمام الدبلوماسي ينشط لمعرفة أجوبة من خلال طرح أسئلة محددة: هل يتشكّل تحالف عريض يجمع "الثنائي الشيعي" مع "المستقبل" مع "الوطني الحر" مع "التقدمي الاشتراكي"؟ ما هي النتائج المتوقعة لهكذا تحالف؟ هل يمكن جمع كل القوى المتضررة منه في لوائح موحّدة تستطيع كسره؟ هل يمكن احياء تحالف "14 آذار" وما مدى قدرته على تحقيق توازن سياسي يجابه التحالف العريض؟ كلها أسئلة يستحضرها معنيون في سفارات أمام خبراء ومحللين سياسيين واحصائيين. الغاية منها معرفة قدرة "حزب الله" على حصد نتائج نيابية يستطيع مع حلفائه من خلالها "التحكّم" بالمسار السياسي اللبناني.
يقول مطّلعون أن تركيز السفارات في لبنان على هذا العنوان جاء نتيجة رسائل سياسية وجهتها شخصيات من قوى "14 آذار" تحذّر فيها من "استلام الحزب مفاصل البلد، والتحكّم بالمحطات السياسية المقبلة، وخصوصا ما يتعلق برئاسة الجمهورية". تلك الشخصيات الآذارية المتضررة من تقرّب "المستقبل" من خصوم الماضي ترى أن قانون الانتخابات الجديد يسمح للتحالف العريض بالسيطرة على أكثرية المقاعد النيابية. وعلى ذمّة المطّلعين أنفسهم، "أن سيناريوهات تفصيلية عدة باتت على مكاتب السفارات توضح بالأرقام النتائج المرتقبة". يفنّد المطّلعون ايضا" حجم خسارة الآذارييين، رغم الكسب المتوقّع لحزب "القوات" في عدد من المناطق: في دوائر البقاع، لن ينال التحالف المضاد اكثر من مقعد في بعلبك، ومقعدين للقوات وحلفائها في زحلة. بينما يميل جبل لبنان الى التحالف العريض مع خروقات كسروانية تصبّ في صالح المستقلّين لا الآذاريين، وينال "الكتائب" مقعدا في المتن الشمالي مقابل توزّع الباقي على "الوطني الحر" والنائب ميشال المر و"الطاشناق" و"القومي". أما بعبدا المحسومة لصالح التحالف العريض، يخطو مثلها الشوف مع خرق بمقعد "قواتي". سباق دوائر الجنوب لن يعطي التحالف المضاد أي مقعد. لتبقى بيروت في الواجهة ترصد مدى خروقات "الآذاريين" فيها. لكن دوائر الشمال قادرة على رفع تمثيل التحالفات المضادة من دون الوصول الى مستوى يفوق قدرات التحالف العريض أو الذين يدورون في فلكه.
نتائج السيناريوهات جميعها تصل الى محصلة: التحالفات المرتقبة معطوفة على نوعية القانون الانتخابي النسبي ستفرض خسارة للآذاريين. لكن المتضررين حرضّوا السفارات على التدخل لدى عواصمهم "لمنع حزب الله من السيطرة على البلد"، كما اورد بعض السياسيين في أحاديثهم أمام سفراء وموظفين مرموقين في سفارات عربية وغربية. يراهن المتضررون من التحالف العريض على ضغوط دولية-عربية تمنع رئيس الحكومة سعد الحريري من التحالف مع "الوطني الحر" تحت عنوان: العونيون حلفاء "حزب الله".
لذلك، يترقب المعنيون حجم الضغوطات التي يمكن أن تتعرض لها القوى السياسية لتأسيس تحالفات مركّبة، رغم أنهم يؤكدون صعوبة الفرز والضم وفق المعايير التقليدية القديمة. من الصعب فصل "الأزرق" عن "البرتقالي" وضم "العونيين" الى "القواتيين"، أو خوض "المستقبل" معركة انتخابية الى جانب "الحكيم". لكن ماذا عن "الثنائي الشيعي"؟ هل تفرض العواصم المعنية على الحريري منع التحالف الانتخابي مع "حزب الله"؟ قد يلجأ حينها "المستقبل" الى التفاهم الانتخابي معه بديلا من التحالف. يتغير المفهوم في الشكل، ليصبّ في ذات الجوهر. ربما، تلك التفاهمات ستتوزع على مساحة البلد وفقا لخصوصية كل دائرة، لاسيما أن حلفاء لحزب الله يخوضون معارك انتخابيّة شرسة مع "الوطني الحر"، كحال تيار "المردة"–الحليف أيضا للحريري. هذه التفاهمات تخفف من وتيرة الضغوط الدولية التي توحي بقدومها دراسات السفارات في بيروت، وتقلل من شأن المواجهات الانتخابية بين القوى أولا، وبين أبناء الحلف الاستراتيجي نفسه ثانيا.