بالنسبة الى أهالي البقاع بشكل عام، جاءت أكثر من مهمة إعادة إفتتاح الأمن العام لمعبر جوسيه الحدودي مع محافظة حمص السورية، وكيف لا تكون هذه الخطوة في غاية الأهمية، ولطالما شكّل هذا المعبر قبل إندلاع الحرب السورية والى حين إقفاله في آب من العام ٢٠١٢، ممراً أساسياً للشاحنات التي تصرّف الإنتاج الزراعي اللبناني. أما بالنسبة الى أهالي القاع الذين يعتبرون من أكثر المستفيدين من إعادة فتح المعبر المذكور كونه يتبع جغرافياً لبلدتهم، وكون الذين يقصدونه لن يتمكنوا من الوصول اليه إلا بعد مرورهم بالقاع، الأمر الذي سيساعد على تنشيط الحركة التجارية والإقتصادية في البلدة الحدودية. فالمسألة بالنسبة اليهم هي مسألة إنجاز أمني بإمتياز وما تحقق بإعادة إفتتاح المعبر، ولو بطريقة غير مباشرة، هو ما كان يطالب به أهالي البلدة منذ اليوم الأول على إندلاع الحرب السورية، وحتى منذ ما قبل الحرب السورية. فما تحقق أمنياً بإعادة فتح المعبر، وتحديداً بنقل نقطة الأمن العام اليه، هو إعادة المنطقة المعروفة بمشاريع القاع والتي تزيد مساحتها عن ١٠ كلم٢ الى داخل الحدود اللبنانية بعدما كانت جزيرة أمنية متروكة بين الحدودين. كيف؟ لأن نقطة الأمن العام الأخيرة التي كان يعبر منها المسافرون براً الى سوريا، كانت تبعد عن معبر جوسيه مسافة سير ربع ساعة في السيارة، وبالتالي، كان على المسافر قبل إعادة فتح المعبر، أن يعبر هذه المسافة داخل منطقة لبنانية تغيب عنها القوى الشرعية، وينتشر فيها حوالى ٣٠ ألف نازح سوري بشكل عشوائي وبكل ما لكلمة تعدٍّ على الأملاك العامة من معنى، أضف الى ما تأويه مخيماتهم من مطلوبين إرهابيين وغير إرهابيين، لجأوا الى هذه المنطقة على إعتبارها متروكةً من قبل الدولة، ليصل في نهاية المطاف الى معبر جوسيه الذي تشرف عليه الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية فقط، وسط غياب تام لأي جهاز أمني لبناني.
من هذه المنطقة التي لطالما شكلت هاجساً مقلقاً لأهالي القاع، خرج الإنتحاريون الثمانية الذين هاجموا شوارعها وأسقطوا عدداً من الشهداء والجرحى، وهذا ما أثبتته التحقيقات. ومن هذه المنطقة أيضاً، ألقى الجيش اللبناني وبعمليات دهم نوعية، القبض على مئات المطلوبين بين سوريين ولبنانيين.
اليوم وبعدما فتح معبر جوسيه من جديد، نقلت نقطة الأمن العام من داخل القاع وتحديداً من مدخل المشاريع الى الأمتار الأخيرة الفاصلة عن المعبر السوري، وهذا ما هو قائم بين الدول على كل المعابر الشرعية في العالم. ولم تعد منطقة المشاريع جزيرة معزولة، ولم يعد من الطبيعي أبداً أن تغض الأجهزة الأمنية نظرها عن عمليات البناء غير الشرعي، وعن التعديات الفاضحة على الأملاك العامة، من شبكات الكهرباء والمياه، وصولاً الى حفر الآبار الإرتوازية غير الشرعية، كل ذلك من دون أن تنسى هذه الأجهزة مئات المحال التجارية غير المرخصة والتي فتحها سوريون، يوم كانت الدولة نائمة وأهالي القاع يطلقون الصرخة تلو الأخرى.