في الوقت الذي يعمد فيه تيار "المستقبل" إلى تعزيز تحالفاته الإنتخابية على الساحة الوطنية، من خلال التنسيق مع كل من "التيار الوطني الحر" ورئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط ورئيس المجلس النيابي نبيه بري بشكل أساسي، يبدو أنه قرر تجاهل الأفرقاء المنافسين له على الساحة السنيّة، إنطلاقاً من قناعة لديه بأنه لا يحتاج إلى التنسيق معهم وبأن فوزه في أغلب المقاعد محسوم، إلا أن هذا الواقع قد ينقلب عليه.
حتى الساعة، تربط بعض القوى والشخصيات السنية، التي تدور في فلك المملكة العربية السعودية، تطورات المعركة الإنتخابية بالموقف الذي ستتخذه الرياض من رئيس الحكومة، في ظل الأوضاع غير السليمة بينهما نتيجة تداعيات إستقالته من الرياض ومن ثم تراجعه عنها بعد عودته إلى بيروت، نظراً إلى أن الموقف السعودي، في حال حسمه، سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع الإنتخابي.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على هذا الملف، عبر "النشرة"، إلى أن الحريري لم يبد أي نية للتعاون مع رئيس حزب "الإتحاد" الوزير السابق عبد الرحيم مراد، في دائرة البقاع الغربي وراشيا، بالرغم من الإشارات الإيجابية التي كان قد أرسلها الأخير باتجاه رئيس الحكومة، في حين من المستبعد حصول هذا الأمر مع رئيس "التنظيم الشعبي الناصري" النائب السابق أسامة سعد في دائرة صيدا وجزين.
بالتزامن، توضح هذه المصادر أن تيار "المستقبل" لا يبدو مستعداً لأي تحالف مع الشخصيات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار في الشمال، أي في دائرة طرابلس والمنية والضنية، حيث الحضور القوي للنائب السابق جهاد الصمد والوزير السابق فيصل كرامي، وفي دائرة عكار، حيث لرئيس "التجمع الشعبي العكاري" النائب السابق وجيه البعريني، على المستوى الشعبي، جماهيرية، حتى ضمن أوساط "المستقبل"، لا تمتلكها أي من الشخصيات التي قد يكون التيار يفكر في ترشيحه إلى الإنتخابات النيابية المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الحريري مستعدّ للتعاون مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أو الوزير السابق أشرف ريفي، على مستوى مدينة طرابلس، بالرغم من القوة التي يمتلكها الجانبان، ومع ريفي قد يكون الأمر أصعب بكثير، لكن هناك نقطة ينبغي التوقف عندها، تتمثل بإمكانية نشوء تحالف بين ميقاتي وريفي، لا سيما إذا ما قررت السعودية أن تكون في موقع المعارض للمستقبل في الإنتخابات، والسعي إلى تحجيم كتلته النيابية.
إنطلاقاً من النقطة الأخيرة، تشير المصادر نفسها إلى أنه في هذه الحالة لن يكون الإستحقاق الإنتخابي سهلاً على الحريري، خصوصاً في ظل غياب الخطاب السياسي القادر على شد عصب الشارع السنّي من جهة، وغياب خطاب المال السياسي الذي يلعب دوراً في هذا الإستحقاق، وتؤكد أن التداعيات ستمتد عند ذلك إلى دائرة بيروت الثانية، التي لا يبدو أن رئيس الحكومة مرتاحاً لواقعه الشعبي فيها، في ظل إمكانية ولادة لوائح إنتخابية منافسة تملك على القدرة على إحداث خرق.
من وجهة نظر هذه المصادر، لدى تيار "المستقبل" خيارين على المستوى السياسي، الأول يقضي بالتمسك بالتفاهمات التي أبرمها مع القوى الشريكة له في السلطة، ما يضمن له العودة إلى رئاسة الحكومة بعد الإنتخابات النيابية حتى لو خسر فيها عدداً لا يستاهن به من المقاعد، والثاني هو العودة إلى لعب لعبة الشارع مع ما قد تتركه من تداعيات على مستوى التفاهمات السياسية، لكنها ترجح أن يتوجّه إلى اعتماد الخيار الأول، خصوصاً إذا لم تقع تحوّلات كبرى في الموقف السعودي تجبره على العودة إلى خطاب المواجهة.
في المحصلة، لا تبدو الإنتخابات النيابية المقبلة، التي وصفها الحريري مؤخراً بالإستحقاق المصيري، سهلة عليه، لا سيما داخل الساحة السنيّة، خصوصاً أنه في طور إستبدال أغلب نواب كتلة "المستقبل" الحاليين، لكن هل ينجح في تجاوزها بأقل قدر ممكن من الخسائر؟.