– لا يملك الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يهدي لحلفائه المستبشرين حروباً من استراتيجيته الجديدة سوى المزيد من الانتظار، هو ينتظرهم وهم ينتظرونه. فما كتبته «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها أمس، عن الاستراتيجية الجديدة للرئيس ترامب بكونها ليست استراتيجية بل مجموعة تغريدات، يكشف غياب أيّ خطوات عملية جديدة يمكن أن تترتّب على هذه الاستراتيجية التي ستقوم عملياً على مواقف سياسية تحملها تغريدات ترامب، ومساكنة عملية مع المتغيّرات التي تأتي بها ساحات الأحداث الساخنة. وهذا بالمناسبة هو نفسه ما كانت هذه الزاوية في «البناء» قد وصفت به هذه الاستراتيجية.
– المسارح المفتوحة للمراقبة الأميركية والتي سيواجهها ترامب، تتصل فقط بسعيه لعدم إغضاب روسيا والصين، وضمناً حليفتهما الإقليمية إيران، كي لا يخسر الوساطة الروسية الصينية لحلّ سياسي أو تهدئة الحدّ الأدنى على جبهة الصواريخ الكورية، التي تشكل الاستعصاء الأكبر لإدارة ترامب، حيث لا حلّ عسكرياً لها، ولا تفعل العقوبات معها فعلها، وقد اختارت روسيا والصين القبول بسياسة العقوبات ومشاركتها ضدّ كوريا الشمالية، فقطعت الطريق على ملاحقتها بمثل هذه العقوبات، لكنها وضعت هذه السياسة في حال دولة ككوريا الشمالية على المحك. فهنا دولة لا يعنيها التعامل الدبلوماسي والمالي والتجاري مع الخارج، فبماذا يهدّدها ترامب؟
– حال الكوريين كحال حزب الله والحوثيين، كلّ العقوبات لا تؤثر فيهم، ولا يمكن بذريعتهم معاقبة موسكو وبكين وطهران، حيث المصارف والتجارة والعلاقات التي تتأثر بالعقوبات، وتسعى للتملّص منها. وكما كوريا الشمالية ورقة روسيا والصين الرابحة، كذلك فإن حزب الله والحوثيين ورقة إيران الرابحة، وماذا عسى ترامب أن يفعل باستراتيجيته، وهو وحلفاؤه عاجزون عن وقف التهديد بالقوة، فالانتفاضة في فلسطين تشتدّ ويقوى عودها وهدية ترامب صارت عبئاً على «إسرائيل»، كما السعودية والإمارات تعجزان عن تحمّل لعبة الصواريخ اليمنية وعن إيقافها، ومثلما تسعى «إسرائيل» لوساطات تهدئة، تبادر السعودية والإمارات لفتح مرفأ الحديدة أمام السفن التجارية لشهر، أملاً بأن تكون رسالة تهدئة توقف الصواريخ.
– على إيقاع هذه المعادلات الواقعية يتمتع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برؤية وجه المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا يمتقع أمامه طلباً للشراكة في حضور مؤتمر سوتشي، كما يتمتع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بمشهد الحكومة والبرلمان في كردستان يعلنان بدء تفكك الإقليم الذي كان بينه وبين الانفصال مرمى حجر، وفي لبنان يندب ولي العهد السعودي ووزير خارجيته عادل الجبير حظوظهما مع تأقلم رئيس الحكومة سعد الحريري في قلب التسويات، التي تكرّس معادلات يصفونها بـ «دولة حزب الله».
– سينتظر ترامب حتى الربيع لرؤية وجوه حلفائه الأقرب، بنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان، وما إذا كان ثمّة قدرة على الإيفاء بوعود قلب الطاولة، ليضع استراتيجيته موضع التنفيذ، فهو يريد حلفاء يقاتلون عنه وهم يريدون سنداً يقاتل عنهم. وعندما يكتشف محدودية قدرتهم على الصمود، سيعود لصديقه اللدود فلاديمير بوتين طلباً للمعونة، والملف الكوري، والفواتير من حسابات «الحلفاء» إلى حسابات «الحلفاء».