منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لكيان الاحتلال اليهودي، والغضب يعمّ فلسطين المحتلة ومعظم الساحات العربية والإقليمية والدولية، وحناجر الغاضبين تهتف للقدس وكلّ فلسطين.
ظنّ ترامب أنّ قراره قدرٌ لا يُردّ، ليس لأنّ الولايات المتحدة قوة عظمى غاشمة وحسب، بل لأنّ خلف هذه القوة الغاشمة المنحازة بالمطلق لـ «إسرائيل»، دولاً عربية وإسلامية تتبع أميركا وتؤيد سياساتها وتدفع لها الأموال لإسقاط دول مقاومة، وتصفية المسألة الفلسطينية.
في أيار الماضي، استضافت الرياض قمة عربية ـ إسلامية ـ أميركية، تسيّدها ترامب، فتمخضت وولّدت مركزاً عالمياً لمكافحة الفكر المتطرف تحت اسم «اعتدال»، وبياناً يلتزم «محاربة الإرهاب بكلّ أشكاله»! وطبعاً فإنّ وظيفة «اعتدال» ليست مكافحة الفكر الوهابي ومتفرّعاته، كما أنّ «محاربة الإرهاب» لا تعني بالنسبة للمجتمعين، محاربة «داعش» و «النصرة» وأخواتهما.
أما انتشار الفكر المتطرّف على نطاق واسع، فقد حصل خلال السنوات السبع الماضية، نتيجة الرعاية المباشرة والدعم غير المحدود من قبل دول خليجية معروفة، وهذا لا يحتاج إلى براهين، فكلّ الأدلة موجودة في أرشيف القنوات التلفزيونية الخليجية، لا سيما قناتَيْ «العربية» و«الجزيرة»، التي لم يغِب عن شاشتيهما نافثو سموم الفكر المتطرّف من يوسف القرضاوي إلى الجولاني ومَن هم على شاكلتهما… من دون أن ننسى وثائقيات أسامة بن لادن، وما تحتويه من مضمون يحضّ على التطرف، ومن توصيف للتنظيمات الإرهابية المتطرفة على أنّها «حركات جهادية».
ولأنّ الإرهاب هو نتاج الفكر المتطرّف، فالدول التي غذّت ودعمت التطرف، إنما غذّت الإرهاب ودعمته، والحال هذا ينطبق على معظم دول الخليج وتركيا وأيضاً على الولايات المتحدة، فهي لا تحارب الإرهاب، بل تغطّيه وترعاه، وفي مرات عديدة كانت تقصف مواقع للجيش السوري من أجل تمكين الإرهاب من احتلالها.
ليس هناك من دليل واحد، ولو ضعيف، يثبت أنّ هدف قمة الرياض العربية ـ الإسلامية ـ الأميركية محاربة الإرهاب ومكافحة الفكر المتطرف. لكن هناك أدلة دامغة تؤكد بأنّ الهدف محدّد في القاموس «الإسرائيلي» ـ الأميركي، الذي يعتبر الفلسطينيين المدافعين عن أرضهم وحقهم بأنهم إرهابيون، ويصنّف كلّ مَن يناصر المسألة الفلسطينية بأنه متطرّف.
وعليه، فإنّ قرار ترامب، ليس سوى نتيجة لهذا السياق الآنف الذكر. وقد بات واضحاً أنّ هناك تآمراً مكشوفاً من بعض الأنظمة العربية على فلسطين والفلسطينيين. وجامعة الدول العربية التي اجتمعت على مستوى وزراء الخارجية قبل وقت قصير، لم تخرج عن السياق، ومواقفها لم ترقَ إلى مستوى القضية التي اجتمعت لأجلها!
وهذه «الجامعة» التي «قالت كلمتها حول القدس ومشت، عادت وأطلّت من بوابة «محاربة الفساد»، فهي لم تفوّت احتفالية «اليوم العربي لمكافحة الفساد ومنعه»، فقد أصدرت بياناً تعلن فيه أنّ مكافحة الفساد من أولوياتها. إنّه توقيت مشبوه تقصد من ورائه التعمية على أولوية القدس وفلسطين.
ولم يفت الجامعة التشديد على «إيمانها بأنّ أهمية مكافحة الفساد في وجود حكم رشيد على المستويين السياسي والاقتصادي»، وهذه رسالة مدفوعة سلفاً… إنّه الفساد بعينه.