مثُل المتهم عمر العاصي، الذي أوقف قبل تنفيذه عملية إنتحارية في مقهى الكوستا بشارع الحمرا، اليوم أمام المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله، مقدماً مجموعة من الإعترافات المتناقضة، مفادها أنه كان "ضحية" فخ نصب له من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، في حين هو كان ذاهباً إلى سوريا للإلتحاق بالمجموعات المسلّحة هناك، عملاً بالمعادلة التي كان قد أرساها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، والتي دعا فيها من لديه أي حساب مع الحزب إلى تصفيته في سوريا.
في بداية إستجوابه، أفاد العاصي أنه قرر الإلتزام الديني بعد أن سافر إلى السعودية في العام 2009 لأداء مناسك العمرة، وبعد ذلك بات يتردد على مسجد بلال بن رباح، الذي كان يشرف عليه الإرهابي المحكوم بالإعدام أحمد الأسير، حيث كان يحضر المحاضرات الدينية، وعندما تحوّلت دعوة الأسير إلى المنحى "الجهادي" شارك في كل النشاطات التي كانت تنظم "مثلي مثل غيري من الناس".
وأوضح العاصي أنه قبل أحداث عبرا لم يشارك في أي عمل عسكري، حيث أصيب خلال معركة الشقق مع "سرايا المقاومة"، عندما كان متوجهاً إلى المسجد كممرض، نافياً أن يكون عضواً في مجموعة عسكرية، واشار الى أنه لم يشارك في الاعتداء على الجيش اللبناني.
من خلايا الأسير إلى "داعش"
بعد ذلك بدأ الأسير في تشكيل الخلايا الأمنية النائمة، فتلقى العاصي إتصالاً هاتفياً من الذراع الأيمن للأسير، شاهين سليمان، يطلب منه الحضور إلى منزل في مجدليون لعقد إجتماع، حيث تم إبلاغه مع آخرين (عمر بركة، مروان أبو ضهر، عبدالله عجمي) بأن المطلوب تنفيذ بعض الأعمال الأمنية في لبنان، إلا أن العاصي رفض ذلك، مشيراً إلى أن من وجهة نظره هناك أساليب أخرى لتحصيل الحقوق، وطُلب منه مراقبة مقهى يتردد عليه عناصر من "سرايا المقاومة".
وأوضح شاهين أن "الدليل" على عدم موافقته على هذا الطرح، هو إقدامه، بعد نحو شهر ونصف الشهر من هذا اللقاء، على إحراق الخط الخليوي الذي تسلّمه من سليمان وعلى بيع البندقية التي تسلمها منه أيضاً، كما أنه لم يراقب المقهى، الذي لا يزال حتى اليوم لا يعرف أين يقع، لأنه كان منشغلاً بعمله وبجامعته.
في أواخر العام 2015، بدأت مرحلة جديدة في مسار حياة العاصي، حيث أنشأ حساباً على موقع "تويتر" يحمل إسم "أبو محمد اللبناني"، وكتب فيه عن أن الطائفة السنيّة تعامل بازدراء، لافتاً إلى أنه لاحظ ذلك في مكان عمله وفي جامعته، مضيفاً: "في مجمع الحدث الجامعي تعرضت للضرب من قبل أكثر من 20 طالباً من حزب الله لأنني مؤيدًا للثورة السورية، وعندما تقدّمت بدعوى قضائية أمام النيابة العامة لم يحصل أي شيء".
بعد ذلك، بدأ العاصي، من خلال تصفّح الانترنت، بالإطلاع على إصدارات تنظيم "داعش" وخطابات أبرز قيادييه، وكان يدرس مختلف الجماعات المسلحة العاملة على الأراضي السورية، وفي الوقت نفسه كان لا يزال على تواصل مع شاهين سليمان الذي عرض عليه الإنتقال إلى سوريا، وعندما وافق العاصي طلب منه سليمان الإنتظار، ومن ثم وصله بـ"أبو وليد مكّي"، الذي بات يتواصل معه عبر تطبيق "تيليغرام"، وأبلغه بأن الحدود السوريّة التركيّة مقفلة وكذلك الحدود السوريّة اللبنانيّة، وطلب منه الإنتظار، ليعود ويطلب منه العمل في لبنان، لكن العاصي، بحسب ما أكد في الإستجواب، رفض هذا الأمر، لكن مكّي بدأ يحثّه على ذلك.
عملية الكوستا
وبعد فترة من الزمن، سأل مكي العاصي إن بات مستعداً، فقال له نعم على أساس أن العمل المطلوب منه هو ضد "حزب الله"، نافياً علمه بأن المخطط كان تنفيذ عملية إنتحارية في مقهى الكوستا، قائلاً: "كنت أظن أنني ذاهب إلى الحدود"، وأضاف: "يوم توقيفي طلب مني لقاء شخص آخر أمام جامع الحريري في صيدا، كان ينتظرني بسيارة من نوع سوزوكي فضية اللون تحمل لوحة سير خضراء، وعند وصولي إلى المكان أعطيته كلمة السر: "يلي صبر بيوصل"، ومن ثم صعدت معه في السيارة"، موضحاً أنه لا يعتبر أن الساحة اللبنانية ساحة قتال، وقرر الذهاب إلى سوريا عملاً بالمعادلة التي كان قد تحدث عنها السيد نصرالله سابقاً.
وكشف العاصي أن الشخص الذي كان ينتظره في السيارة لبناني الجنسية في الثلاثين من عمره، وهو من ألبسه الحزام الناسف في طريقه من صيدا إلى الحمرا، مؤكداً أن هذا الشخص أوصله بشكل مباشر إلى الحمرا ولم يستقل أكثر من سيارة، على عكس ما كان أدلى به من إعترافات في التحقيق معه، لافتاً إلى أنه كان يقول له "توكّل على الله وابقى على طبيعتك"، مشيراً إلى أنه يشك بأن يكون هذا الشخص يعمل مع الأجهزة الأمنية لأنه كان يتصرف بكل هدوء، وكان هناك أكثر من حزام ناسف في السيارة التي لم تكن ذات زجاج داكن، قائلاً: "عندما سألته عن السبب ارتبك، وخلال ارتدائي الحزام أَفْلتَتْ إحدى الوصلات فيه، فطلب مني إعادة وصله من جديد، دون أن يقلق من إحتمال أن يؤدي ذلك إلى إنفجاره، لأنه كان مزيّفاً".
وأوضح العاصي أنه عندما وصلا إلى شارع الحمرا، أبلغه السائق أن داخل مقهى الكوستا يتواجد كوادر من "حزب الله" وطلب منه الدخول إلى المقهى، كاشفاً أنه اعترض على النزول لكن من أوصله قال له "نفذ ثم اعترض"، لافتاً إلى أنه سأله: "لماذا لا تكون العملية ضد مقر لحزب الله على الحدود"، مضيفاً: "قررت النزول إلى المقهى ومن ثم الإنسحاب لكن تم توقيفي".
على صعيد متصل، أوضح العاصي أنه كان يظن أن سلوك السائق طريق بيروت كان بغرض التمويه، مشيراً إلى أنه جلس في المقهى ما يقارب 15 دقيقة ولو كان لديه نية التفجير لفعل ذلك مباشرة، قائلاً: "لماذا أفجر في مكان يتواجد فيه أبرياء منهم من أبناء طريق الجديدة، وسوريين"، مضيفاً: "لدى دخولي قلت ما هذه المهزلة"، سائلاً: "لماذا أوقفتني القوى الأمنية ولم توقف من أوصلني، ولماذا لم تتثبت من المعلومات التي كنت أدلي بها خلال التحقيق معي"؟.
ورداً على سؤال من ممثل النيابة العامة القاضي رولان الشرتوني عما إذا كان مستعداً لتنفيذ عملية إنتحارية جديدة، قال العاصي: "هيدا كلام فاضي"، ثم جاوب بالنفي، الأمر الذي دفع العميد عبدالله إلى الطلب منه إلتزام الهدوء والتكلم بإحترام، فقال: "أنا مظلوم واستدرجت لفخ نصب لي".
في ختام الجلسة التي أرجئت إلى تاريخ 6 آذار المقبل لإستكمال إستجواب العاصي، قدّم الأخير إعتذاره إلى القاضي الشرتوني على ما صدر منه، في حين كانت وكيلته قد تقدمت في بداية الجلسة بمجموعة من الطلبات متعلقة بداتا الإتصالات وكاميرات المراقبة.