تحاول القوى الدولية وعلى رأسها موسكو في الجولة الثامنة من محادثات آستانة التي انطلقت أمس الخميس استيعاب فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف والتي أظهرت أن الأمور لا تزال تراوح مكانها على مسار الحل السياسي في ظل تمسك المعارضة بالانتقال السياسي وباسقاط النظام الحالي كبوابة لحل الأزمة، مقابل اصرار النظام على استكمال البحث بملف محاربة الارهاب ورفضه الخوض في أي نقاش جدّي بموضوع الحل السياسي حتى اسقاط المعارضة "شروطها المسبقة".
وتتجه الأنظار حاليا الى آستانة ليس فقط كمحطّة لاستكمال البحث بتثبيت وقف اطلاق النار والنقاش بملف المعتقلين، انما كمحطة محتملة في المستقبل القريب لتبني المسار السياسي خاصة بعد ان أثبتت جدواها في المرحلة الماضية باعتبار ان الدول الضامنة الراعية لهذه المحادثات هي نفسها الدول المعنية الأساسية بالملف السوري وصاحبة النفوذ الأساسي فيه، ما يجعل التزاماتها في كازاخستان أكثر قابلية للتطبيق عمليا على الأرض.
ويبدو واضحا أن موسكو تعوّل على الجولة الثامنة من المفاوضات في آستانة لاتمام التحضيرات المطلوبة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، والذي ترجح المعلومات أن يُعقد نهاية الشهر المقبل، على أن يسبقه اجتماع للفنيين منتصف الشهر.
وتردّد بالأمس ان الجانب الروسي قدم قائمة بـ1490 شخصا للمشاركة في مؤتمر سوتشي، الا ان المعلومات تضاربت حول ورود اسم 23 ممثلا عن الأكراد لحضور المؤتمر، لم يُعرف اذا كانت أنقرة وافقت عليهم أم لا.
ولا تعول مصادر قيادية في المعارضة على ما تُعدّ له روسيا في سوتشي، "خاصة وأنّها تخطط لتوجيه الدعوة الى المئات من الأشخاص، ما يؤكد انّها غير جديّة في تعاطيها مع الموضوع". وتساءلت " كيف سنتمكن من الحديث والتفاوض وعلى ماذا، اذا شارك في المؤتمر 1490 شخصية"؟، معتبرة ان "هذا المؤتمر سيكون أشبه باعلان رسمي لانتقال الملف السوري كليا الى كنف موسكو بعد تخلّي واشنطن عنه، كما ستكون دعاية كبيرة للروس تُظهرهم كطرف قادر على التعاطي مع كل الأطراف السوريّة وعلى جمعها تحت قبة واحدة".
وبعد أن كانت قوى المعارضة حاسمة بموقفها في وقت سابق لجهة رفضها بالمطلق المشاركة في "سوتشي"، بدأت المؤشرات تدل على ليونة في موقفها مع ترجيح فرضيّة مشاركة مجموعات كبيرة منها في المؤتمر، رضوخا لواقع "اللامبالاة" الأميركي وللتقارب الروسي-التركي الذي يفرض عليها تلقائيا تقديم التنازلات.
ولا يُتوقع ان يتحول مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي الى منصة جديدة للمفاوضات خاصة في ظل العدد الهائل من المدعوين. وترجح مصادر مطلعة ان يعطي هذا المؤتمر دفعا لمسار سياسي جديد ينطلق في آستانة مواز للمسار الذي يبحث الشؤون العسكرية والتقنية، على ان يتم تثبيت ما يتم التوصل اليه في وقت لاحق في جنيف، في ظل وجود تفاهم دولي على أن يجري التوقيع النهائي والرسمي على اي اتفاق بين المعارضة والنظام تحت قبة جنيف وبرعاية الأمم المتحدة.
وبانتظار تبلور جدول الأعمال الذي ستعتمده موسكو خلال مؤتمر "سوتشي"، سيبقى الصراع التركي–الكردي عائقا كبيرا أمام تحقيق أي تقدم يُذكر خاصة في ظل اصرار واشنطن على التمسك بالورقة الكردية، وهي الورقة الجوكر التي تمتلكها على الساحة السورية.