لا يصدق البعض أن التغذية بالتيار الكهربائي في لبنان عام 1975 كانت 24 على 24، وقد يُصعق هؤلاء عندما نخبرهم أن لبنان كان يبيع الكهرباء الى سوريا. لم يقتصر دمار الحرب اللبنانية على الحجر بل طال عقول البشر، فمنذ العام 1990 حتى اليوم لم يستطع المسؤولون اعادة الكهرباء الى ما كانت عليه، لا بل يمكننا القول انهم صنعوا معادلة تعجيزية مفادها: زيادة الانفاق على الكهرباء وتراجع عدد ساعات التغذية.
يصل حدّ التقنين في ساعات التغذية الى حدود الـ18 ساعة باليوم في بعض المناطق اللبنانية، وها هو يزداد في كل لبنان وبالأخص في الجنوب والضاحية، وفي الحازمية التي غابت عنها الكهرباء 24 ساعة كاملة، ولكن لا يمكن القول أن سببا واحدا يتحمل مسؤولية التقنين المتزايد، اذ تعاني مؤسسة كهرباء لبنان اليوم من "أزمات" متعددة تجعل الانتاج متناقصا والتوزيع متفاوتا وتصليح الأعطال "مستحيلا".
ثلاثة مشاكل تعانيها اليوم مؤسسة الكهرباء، أوّلها عدم تجديد عقد شركة دبّاس في مجلس الوزراء، وثانيها إضراب المياومين منذ شهر تقريبا، وثالثها إضراب نقابة العمال والمستخدمين في المؤسسة الذي بدأ منذ أسبوع.
بالنسبة الى الأزمة الاولى والثانية فإن شركة دبّاس بحسب مصادر معنيّة توقفت عن العمل منذ ثلاثة أشهر بعد أن رفض مجلس الوزراء تجديد عقدها واكتفى بتجديد عقدي "kva" "بوتيك"، الأمر الذي لم يُعجب الشركة فتوقّفت عن متابعة اعمالها كما ينص القانون لحين تسليم مهامها لشركة أخرى، وتمنّعت عن دفع رواتب المياومين العاملين معها. وفي هذا السياق يشير الناطق بإسم لجنة المياومين لبنان مخّول الى أننا "بلجنة مياومي الكهرباء بدأنا منذ شهر تقريبا بالاضراب بسبب عدم دفع رواتب ثلاثة أشهر من قبل شركة دباس، اضافة الى السبب الدائم لأي تحرك لنا وهو عدم معرفتنا بمصيرنا ومصير حقوقنا خاصة بعد نجاح 139 شخصا وعدم تثبيتهم بالملاك".
ويضيف مخول في حديث لـ"النشرة": "أضربنا عن كل شي الا أعمال الصيانة ولكننا لا نستطيع ان نعوّض كل هذه الاعمال، خصوصا وأن شركة دبّاس اصدرت مذكرة بعدم مسؤوليتها عن أي حادث عمل يقع لنا، ما يجعلنا اليوم نقوم ببعض الاعمال على عاتقنا"، داعيا الى عدم تسييس الموضوع وتحميل المياومين مسؤولية زيادة ساعات التقنين لأن مديرية النقل والانتاج هي مع مؤسسة كهرباء لبنان، وعمالها توقفوا عن اصلاح اي عطل بماكينات الانتاج، وبالتالي أي سوء انتاج أو توزيع تتحمل مسؤوليته مؤسسة كهرباء لبنان وليس المياومين.
أما فيما يتعلق بالأزمة الثالثة فقد أعلنت نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان إضرابها منذ أسبوع، التزاما بقرار الاضراب المتّخذ من قبل الاتحاد العمالي العام، رفضا لنية بعض المسؤولين بضرب التمايز الموجود في المؤسسات العامة، والتوقف "عن اعتماد معايير مختلفة وغير عادلة بين هؤلاء وموظفي القطاع العام". وهنا يلفت أمين سر النقابة غسان حيدر الى أن المشكلة بدأت بعد صدور تعميم(1) رئيس الحكومة سعد الحريري الأسبوع الماضي والموجه الى كافة الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات، والذي تضمن آلية تطبيق أحكام القانون رقم 46 تاريخ 21/8/2017 المتعلّق برفع الحدّ الادنى للرواتب والاجور، وإعطاء زيادة غلاء المعيشة للموظفين والمتعاقدين والاجراء في الادارات العامة، وفي الجامعة اللبنانية والبلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل.
ويضيف حيدر في حديث لـ"النشرة: "عقدنا أكثر من لقاء مع مندوبة وزارة المالية ولم نتوصل بعد الى حل يرضينا كنقابة، لذا نؤكد على استمرار الاضراب المفتوح لحين تحصيل الحقوق وتطبيق القانون بطريقة سليمة تحفظ حقوقنا كباقي موظفي الدولة"، مشيرا الى أن العمال قدموا بالساعات الماضية بادرة حسن نيّة حيث سمحوا بإفراغ مادة الفيول في كل المعامل، مع الإبقاء على قرار رفض القيام بالتصليحات ما عدا تلك التي تشكل خطرا على السلامة العامة".
كلّف رئيس مجلس النواب نبيه بري النائبين علي عمار وهاني قبيسي بمتابعة وضع الكهرباء المأزوم، كذلك يعمل المعنيون في وزارة الطاقة والمال على "استنباط" الحلّ لمشكلة نقابة عمال الكهرباء، ولكن مع دخولنا فصل الشتاء ومرحلة الاعياد، يزداد التقنين، مع خوف كبير إطالة أمد الأزمات عبر تسييس المشكلات "الكهربائية".