حتى اليوم، لا يزال رئيس الحكومة سعد الحريري الذي هو في الوقت عينه رئيس "تيّار المُستقبل"، يُعتبر الأقوى سياسيًا على الساحة الداخلية اللبنانيّة، وذلك على صعيد عدد نوّاب كتلة نوّاب "المُستقبل"، وكذلك على صعيد حجم تجمّع كتلة "لبنان أولاً" النيابيّة والذي كان بلغ في ذروته ما مجموعه 35 نائبًا، أي أكثر من ربع نوّاب البرلمان اللبناني! وحتى اليوم، لا تزال العديد من القوى السياسيّة الداخلية تتطلّع إلى التحالف إنتخابيًا مع تيّار رئيس الحكومة، لأنّ من شأن دعم "المُستقبل" هذه اللائحة أو تلك، أن يرفع من فرص نجاحها بشكل كبير، وحتى أن يُغيّر في المُعادلات السياسيّة الداخليّة. لكن هذه القُوّة المُميّزة التي يتمتّع بها رئيس الحكومة حاليًا، لا تخلو من "نقاط الضعف" التي تُهدّد وُجود هذه "الُقوّة" من أساسه. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:
أوّلاً: إنّ أيّ تحالف بين "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" يعني إضطرار الأوّل حُكمًا للتنازل عن جزء من المقاعد المسيحيّة التي كان يُسيطر عليها لصالح الثاني، في مُقابل توفير "التيار البرتقالي" الدعم المناسب لاحتفاظ "التيار الأزرق" بمقاعده ضمن الطائفة الإسلاميّة السنّية، علمًا أنّ هذا الأمر هو موضع شكّ نتيجة رفض "حزب الله" التنازل عن دعم شخصيّات سنّية عدّة مُناهضة للمستقبل.
ثانيًا: إنّ أيّ تبديل جذري في تحالفات "تيّار المُستقبل"، لجهة الإنتقال إلى تحالف سياسي عريض مع "التيار الوطني الحُر" ومع قوى سياسية مُختلفة ضُمن قوى "8 آذار"، ولوّ بشكل مُتبدّل ومتغيّر تبعًا لكل دائرة على حدة، يعني أنّ القوى الحليفة السابقة، مثل "القوّات" و"الكتائب" والأحزاب الأرمنيّة خارج دائرة "الطاشناق" إضافة إلى العديد من النوّاب المُصنّفين "مستقلّين"، ستُصبح تلقائيًا في موقع الخصم الإنتخابي الذي سيسعى إلى قضم جزء من حصص "المُستقبل".
ثالثًا: إنّ إعتماد القانون النسبي بدلاً من القانون الأكثري سيُحفّز العديد من القوى على مُنازلة "المُستقبل" في "عقر داره" وداخل بيئته الحاضنة، وكذلك خارج هذه الأماكن، علمًا أنّه يكفي نيل أي لائحة مُنافسة له، "الحاصل الإنتخابي" عن كل دائرة، لتضمن لنفسها أحد المقاعد، وكلّما إرتفعت نسبة التأييد إرتفعت معها نسبة القضم من حصص كان "المُستقبل" وغيره من القوى التي كانت تملك النصف زائد واحد من الأصوات في الدوائر الكُبرى، تستحوذ عليها.
رابعًا: إنّ حزب "الطاشناق" لن يقبل أن تبقى السيطرة على المقاعد الأرمنيّة من قبل أحزاب تُمثّل أقليّات في بيئتها الأرمنيّة، علمًا أنّ لتيّار "المُستقبل" حصّة الأسد من هذه المقاعد.
خامسًا: إنّ شخصيّات سياسيّة عدّة على غراررئيس "حركة التوحيد العربي" وئام وهاب، ورئيس "التنظيم الشعبي الناصري" أسامة سعد، ورئيس "حزب الإتحاد" عبد الرحيم مراد، ورئيس "تيّار الكرامة" فيصل كرامي، والنائب السابق وجيه البعريني، وغيرهم، تنتظر الإنتخابات المُقبلة بفارغ الصبر، بناء على وُعود وتعهّدات سابقة من شخصيّات رئيسة في قوى "8 آذار" بأن تكون على اللوائح المُقبلة، وهذا الأمر يُهدّد نوّاب ومصالح "المُستقبل" المُباشرة، في حال دُخوله في تحالف سياسي عريض، أكان خُماسيًا أم أكثر. وحتى في حال مُواجهة هذه الشخصيات إنتخابيًا من قبل "المُستقبل" فإنّ فرص إختراقها للوائحه مُرتفعة هذه المرّة، بفعل قانون النسبيّة.
سادسًا: إنّ شخصيات سنّية عدّة كانت تدور في فلك "تيّار المُستقبل" بشكل مُباشر أم غير مُباشر، قد تُنازل لوائح "التيّار الأزرق" في الدورة المُقبلة، وبعضها يملك فرصًا كبيرة لتحقيق خروقات في أكثر من مكان، مثل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء المُتقاعد أشرف ريفي، على سبيل المثال لا الحصر.
سابعًا: إنّ "القانون النسبي" يُهدّد أحجام العديد من الكتل السياسيّة الحاليّة، لكنّ الخسائر المُتوقّعة لأغلبيّة هذه الكتل تبقى محدودة ومقبولة، بينما نسبة الخسائر الأكبر مُتوقّعة لحجم كتلة "لبنان أوّلاً" برئاسة "تيّار المُستقبل"، بناء على مُعادلات حسابية وليس على تقديرات بدوافع سياسية أو إنتخابيّة.
ثامنًا: إنّ علاقة رئيس الحكومة المُتراجعة بشكل ملحوظ مع السعودية، قد تحرمه-في حال إستمرار التوتّر على حاله إلى حين موعد الإنتخابات، من داعم إقليمي أساسي، وذلك على مُختلف المُستويات السياسيّة والمعنويّة واللوجستيّة وغيرها.
في الخُلاصة، إنّ "تيّار المُستقبل" هو اليوم محط مديح وثناء من قبل العديد من القوى السياسية التي تطمح للتحالف معه، لكن ما أن يحسم خياره بالإنحياز إلى هذا الفريق السياسي أو ذاك، ستُفتح عليه "النيران" من جهات كثيرة. وعندما ستصدر النتائج الإنتخابية، ستكون أمجاد الماضي، على مُستوى حجم الكتلة النيابية لتيار المُستقبل، وتلك التي كانت منضوية تحت شعار "لبنان أوّلاً" أصغر بالتأكيد، بغضّ النظر عن طبيعة التحالفات التي سينسجها رئيس الحكومة في نهاية المطاف، وذلك بإجماع مُختلف المُحلّلين السياسيّين والخُبراء في الشؤون الإنتخابيّة. والسؤال الأهم: "هل سيُحافظ تيّار المُستقبل بعد صُدور نتائج الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، على الحدّ الأدنى من الثقل السياسي ليكون موضع إهتمام الجميع كما هو اليوم، أم أنّ "نقاط ضعفه" المُتعدّدة ستتسبّب بتجريده من "قُوّته" الحالية؟!