يبدو ان موسكو حسمت أمرها بفرض نفسها اللاعب الرئيسي المسير للعبة السورية بالميدان والسياسة. فاشتراط المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، على المعارضة السورية إسقاط شرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لحضور مؤتمر الحوار الوطني السوري المقرر في سوتشي نهاية الشهر المقبل، وما تلا ذلك من معلومات عن توجه لتشكيل "لجنة دستورية" في المؤتمر يوقع الاسد شخصيا مرسوم تشكيلها، هما بالغا الأهمية من شأنهما أن يجعلا ما قبل "سوتشي" ليس كما بعده على الاطلاق.
فبعد أن كانت المعارضة السورية متفائلة بمخرجات "آستانة 8" وبالتحديد نتيجة التقدم الذي تحقق بالبحث بملف المعتقلين بعيد الاتفاق على آلية للافراج عنهم، وهو ما دفع قياديين فيها للتأكيد على نيتهم المشاركة في "سوتشي"، انقلب المشهد بالنسبة لهؤلاء رأسا على عقب بعيد الموقف الروسي الأخير الذي لم يكتفِ باحراج المعارضة السورية انما بتخييرها بين مسارين، الموافقة على وضع شرط رحيل الأسد جانبا وبالتالي الاقرار بخسارة الحرب ما سيمهد تلقائيا للانقلاب على "مبادئها" ويهدد بانفراط كل هيئاتها ومجموعاتها، أو رفض المشاركة بـ"سوتشي" وهو ما سيساهم أيضا في اعادة تشتّت قوى المعارضة التي نجحت بالتوحّد للمرة الأولى في اجتماعات "جنيف 8"، ما سيعيد المباحثات الناشطة لايجاد حل سياسي للأزمة السورية الى المربع الأول.
وفي الحالتين، يبدو جليا أن الروس قرروا أنّه قد آن أوان تسمية الأمور بأسمائها واستثمار التقدم العسكري الكبير الذي حققه محور موسكو–طهران–النظام في الميدان، باعتبار ان طرح مصير الأسد لطالما شكل الاشكاليّة الكبرى أمام تحقيق اي تقدم يُذكر في مسار الحل السياسي، واليوم، وبعد وضع هذا الملف على الطاولة، لا بل حسمه من قبل موسكو، يكون قد تُرك لفريقي النزاع السوري البحث في آليات واجراءات متعلقة بالدستور بشكل خاص ولكن لا تمس الأسد وموقعه.
وكما هو متوقع، فان المعارضة السوريّة لم تستوعب حتى الساعة حجم التحدّي الذي ستخوضه خلال الشهر المقبل، إذ يؤكد مصدر قيادي فيها مشارك في مفاوضات آستانة وجنيف ان اي موقف حاسم لجهة المشاركة او مقاطعة "سوتشي" لن يصدر قبل منتصف شهر كانون الثاني، موعد الاجتماع المرتقب للدول الضامنة روسيا وتركيا وايران، وهو الاجتماع الذي سيتم خلاله وضع اللمسات الأخيرة على جدول أعمال مؤتمر "الحوار الوطني السوري". ويشير القيادي الى ان "التوجه العام للمعارضة هو عدم المشاركة في اي اجتماع لا يضع بيان جنيف الذي يتحدث عن هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات سقفا له"، مؤكدا "رفض أي شرط مسبق للحوار لأن ذلك سيشكل حاجزا لن تتجاوزه المعارضة". ويضيف:"على كل الأحوال، نحن نحاور على آلية وكيفية رحيل بشار الأسد ونظامه ومحاكمتهم وليس على رحيله أم لا".
وان كان الموقف الروسي الأخير المتقدم قد يدل على تراجع تركي فرضته التفاهمات الناشطة بين أنقرة وموسكو، وهو ما سيجعل قوى المعارضة السوريّة مضطرة للخضوع له خاصة بعدما تخلت عنها الولايات المتحدة الأميركية التي رضخت على ما يبدو، وبحسب معلومات من واشنطن، لبقاء الأسد حتى موعد الانتخابات الرئاسية السورية في العام 2021، لا يزال المصدر القيادي المعارض مطمئن للموقف التركي، ويقول: "لا تخوف لدينا على الاطلاق من أي حراك تركي سياسي كان أو دبلوماسي أو عسكري لا يصب في مصلحتنا. فهم شركاؤنا الذين نثق بهم كل الثقة، ولذلك ارتضيناهم ضامنا لنا".
بالمحصلة، سواء تمسك الروس بعنوان "اسقاط شرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد" للسماح لمجموعات المعارضة بحضور "سوتشي" أو قرروا اعادة تليين موقفهم هذا لضمان مشاركة أكبر عدد ممكن من هذه المجموعات، ففي الحالتين فان مؤتمر الحوار الوطني السوري المقبل سيُشكل محطة رئيسية في مسار الحل السياسي لسوريا بعدما انتهى زمن المراوغة بانتهاء الحرب على "داعش" وانطلق زمن تسمية الأمور بأسمائها واختبار نيات كل الأطراف السورية ومن خلفها كل الدول التي شاركت بالحرب وما اذا كانت حقيقة جاهزة لتضع حدا لها.