التبريد الظرفي الذي لحق بملّف مرسوم منح أقدميّة سنة لضُبّاط دورة العام 1994 بسبب عطلة الأعياد من جهة، وبسبب طلب رئيس الحكومة سعد الحريري من الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل التمهّل في نشر المرسوم المذكور من جهة ثانية، وكذلك بسبب دخول أكثر من مسؤول على خط المُشكلة (لا سيّما مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، إضافة إلى الجُهود المبذولة من قبل كلّ الحزب التقدّمي الإشتراكي و"حزب الله")، عاد وتهدّد نتيجة تصريحات علنيّة لكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. فأين يتركّز الخلاف، وما هي التوقّعات بشأن هذا الملف؟.
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ الوساطات القائمة حاليًا على أكثر من خطّ، مُرتبطة بسقف زمني مُحدّد يتمثّل بموضوع الترقيات التي يجب أن تصدر في الأوّل من كانون الثاني 2018، والتي ستشمل مجموعة كبيرة من ضُبّاط القوى الأمنيّة، ما يعني أنّ المُوافقة على "مرسوم الأقدميّة" يعني إدراج أسماء 26 ضابطًا من دورة العام 1994، ضمن لائحة المُستهدفين من الترقيات، والعكس صحيح.
بالنسبة إلى محور الخلاف بحسب المعلومات المُتوفّرة، وبموازاة المواقف العلنيّة لكل من رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس النوّاب، إنّ الفريق المُؤيّد لوجهة نظر الرئيس عون يعتبر أنّ توقيع وزير المال علي حسن خليل على المرسوم محطّ الخلاف، إلى جانب توقيعي كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، غير ضروري، لأنّ هذا المرسوم لا يُرتب مصاريف إضافية وفوريّة على الخزينة، مُستندًا إلى مجموعة منوّعة من الأمثلة من العهود الماضية لم يقم فيها وزير المال بالتوقيع على المراسيم المُوقّعة من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ويعتبر الفريق المؤيّد لرأي الرئيس عون أيضًا أنّ ضُباط دورة العام 1994 ظُلموا لأسباب سياسيّة وكيديّة، كونهم تطوّعوا في المدرسة الحربيّة في عهد رئاسته للحكومة الإنتقاليّة نهاية حقبة تسعينات القرن الماضي، ثم جُمّدت دورتهم لمدّة سنتين بعد عمليّة 13 تشرين الأوّل 1990، ما جعلهم يفقدون وقتًا ثمينًا بشكل سيحرمهم حتمًا من ترقيات عدة قبل بلوغهم سنّ التقاعد القانوني، وسيمنعهم من الوُصول إلى رتب ومراكز عليا يحقّ لمُطلق أي ضابط أن يحلم بها وأن يعمل للوصول إليها. ويوضح هذا الفريق أنّ مرسوم الأقدميّة يُمثّل دَينًا معنويًا يرغب رئيس الجمهورية بردّه للضُبّاط بعد أن صار بموقع القرار.
في المُقابل، يعتبر الفريق المُؤيّد لرأي رئيس مجلس النوّاب أنّ مرسوم منح أقدميّة سنة للضُبّاط يتضمّن مُخالفة في الشكل تعود إلى أنّ الدُستور اللبناني يُلزم توقيع الوزير المُختصّ على المراسيم بالمُطلق، وهذا المرسوم بالتحديد يستوجب أعباء مالية، ما يعني عدم إمكان تجاوز توقيع وزير المال. ومآخذ هذا الفريق تشمل المضمون أيضًا، إنطلاقًا من أنّ دورة العام 1994، تضمّ أغلبيّة كبيرة من الضبّاط المسيحيّين في مُقابل أقليّة صغيرة من الضُباط المُسلمين، ما يُخلّ بالتوازنات الطائفيّة، إضافة إلى كونه سيتسبّب بمشاكل عدّة على مُستوى التراتبيّة العسكريّة وأمرة الوحدات أيضًا، في ظلّ تخوّف من أن يتحوّل بعض الضبّاط من رؤساء إلى مَرؤوسين بين ليلة وأخرى، في حال تمرير وإعتماد مرسوم الأقدميّة. ودائمًا بحسب الفريق المُؤيّد لرأي رئيس مجلس النواب، إنّ ضُباط دورة العام 1994، تخرّجوا في نيسان ذاك العام وليس في آب كما يحصل عادة، ما يعني أنّهم كسبوا ستة أشهر مُقارنة بخرّيجي باقي الدورات، علمًا أنّ الكثير منهم أمضى فترة الإنتظار برفع مُستوى شهاداته العلميّة، ما يُعزّز تلقائيًا من مُؤهلات هؤلاء الضبّاط على رفاق سلاحهم. ويعتبر هذا الفريق أيضًا أنّ نبش ملفّات من فترة الحرب اللبنانية وإرتداداتها المُباشرة في هذا التوقيت، وبشكل يخلو من التفاهمات المُسبقة، فيه الكثير من المخاطر.
وبحسب المعلومات المتوفّرة أيضًا، فشلت الوساطات التي جرت في الأيّام الماضية، كون رئيس مجلس النواب يُصرّ على سحب المرسوم أوّلاً، بينما يُصرّ رئيس الجمهورية على أن يذهب من لديه أي مآخذ إلى القضاء لوقف العمل بالمرسوم موضوع الخلاف. حتى أنّ إقتراح منح أقدميّة سنة لضُباط دورتي العامين 1995 و1996، إلى جانب ضُباط دورة العام 1994، لم ينجح أيضًا، بسبب الخشية من التسبّب بفوضى على مُستوى التراتبيّة العسكريّة مع دورات لاحقة في المؤسّسة العسكرية، وبتمييز بين الضُباط بدون وجه حق، إضافة إلى تطلّبه تكاليف مالية إضافيّة.
في الختام، لا شكّ أنّ المؤسّسة العسكريّة هي المُتضرّرة الأكبر من عمليّة شد الحبال القائمة، وهي تُطالب بإبعاد التجاذبات السياسيّة عن هذا الملف وبمُعالجته من مُنطلقات تقنيّة بحت، في ظلّ خشيّة من أن تتحوّل مُشكلة تقنيّة محدودة في الزمان والمكان–على الرغم من أهمّيتها بالنسبة إلى الضبّاط المعنيّين، إلى أزمة سياسيّة تُرخي بظلالها على الحُكم في لبنان، في مرحلة التحضير للإنتخابات النيابية التي تتطلّب أعلى قدر من الإستقرار والهدوء.