مع اعلان روسيا ودول عدّة مؤخرا انتهاء الحرب على "داعش" سواء في سوريا أو العراق، تتجه الأنظار اليوم الى "جبهة النصرة" التي بدأ وجودها ينحسر بشكل كبير في الشمال السوري وبخاصة في محافظة ادلب، الخاضعة بالقسم الأكبر منها لسيطرتها المباشرة. ادلب التي تتحول مع مرور الأشهر الى بؤرة حيث يتم تجميع العناصر المتطرفة، تترقب مصيرها والمرجح أن يتبلور قريبا مع انطلاق مسار الحلّ السياسي، من منطلق ان اي حل يتم التوصل اليه سواء في سوتشي أو جنيف أو حتى آستانة لا يمكن أن ينسحب الى أرض الواقع من دون تحديد مصير هذه المحافظة التي تبقى تحت وصاية تركيّة نتيجة تفاهم بين أنقرة وموسكو.
الا أن هذا التفاهم الذي كان يلحظ تولي تركيا تفكيك "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "النصرة" عمودها الفقري تمهيدا للقضاء على "النصرة" نفسها، لم يلق اي صدى في الميدان، حيث تؤكد مصادر في المعارضة السورية أن أنقرة لا تنفك تتعاون وتدعم "النصرة"، سواء من خلال دعمها لحكومة الانقاذ الوطني التابعة لـ"هتش"، او عبر تنسيق مباشر مع قياديين فيها خلال قيام عسكريين تابعين لها بجولات داخل المحافظة.
ولا يبدو أن موسكو التي توسع اتفاقاتها العسكرية مع الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بصدد السكوت طويلا عن "التلكؤ التركي" عن تنفيذ التفاهمات بخصوص القضاء على "النصرة"، اذ يبدو جليا ان مشاركة الطائرات الحربيّة الروسيّة بقوة في المعركة المفتوحة في الريفين الحموي والادلبي، والتي احتمدت في الايام الماضية، ليست الا رسالة مباشرة للأتراك حول جهوزية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعم النظام السوري وايران في شن عمل عسكري واسع في ادلب بهدف القضاء على "جبهة النصرة"، في حال لم تنصرف أنقرة مباشرة لاتمام واجباتها في هذا المجال.
وقد بدا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حاسما باعلانه ان بلاده قد حولت تركيزها في سوريا على اجتثاث "جبهة النصرة"، متحدثا عن مقاومة يبديها عناصر التنظيم "لأنّهم يتلقون مساعدة من الخارج"، وهو ما رجّحت مصادر معنية أن يكون اتهاما غير مباشر لأنقرة، التي، لطالما دعمت "الجبهة" طوال السنوات الماضية في حربها ضد الجيش السوري.
وتزامنت تصريحات لافروف مع تحديد رئيس الأركان الروسي، فاليري جيراسيموف القضاء على "النصرة" هدفا لبلاده في العام 2018، وذلك في خضم التطورات التي تشهدها الغوطة الغربية لدمشق وبالتحديد منطقة بيت جن حيث من المنتظر أن ينسحب منها ارهابيو "النصرة" خلال ساعات الى معقلهم الرئيسي في ادلب، لينضموا بذلك الى المئات من العناصر التاركين لمواقعهم في مناطق مختلفة في سوريا بعد محاصرتهم، وهو السيناريو الذي اعتمد أيضا في الجرود الشرقية اللبنانيّة والذي أدّى لانسحاب عناصر التنظيم الى الشمال السوري.
وللمفارقة فان تجميع المتطرفين في ادلب لا يقتصر على السوريين منهم، اذ لجأ الى المحافظة السورية في الاشهر الماضية عدد من المتطرفين اللبنانيين الفارين من وجه العدالة وأبرزهم شادي المولوي وعدد من انصار أحمد الأسير.
بالمحصلة، سواء عادت أنقرة للالتزام باتفاقها مع موسكو بخصوص تولي تفكيك "النصرة" في ادلب أو تمادت بتلكؤها، يبدو أن ايران والنظام في سوريا يفضلان الحسم العسكري، وهو ما بدآه عمليا من بوابة ريف ادلب على ان يستمرا به، فيتم على مراحل وبشكل متقطع غير معلن، احتراما لالتزامات موسكو سواء في آستانة أو سوتشي.