كان العام 2017 مفصلياً على مستوى الأحداث الإقليمية والدولية، نظراً إلى تعدد التحولات التي سيطرت على المشهدين الإقليمي والدولي، لا سيما على مستوى محاربة الإرهاب في سوريا والعراق، حيث كان عام القضاء على تنظيم "داعش" على المستوى العسكري، من خلال تحرير مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية، لكن من جهة ثانية لا يمكن تجاهل التطورات التي رافقت العام الأول من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي ختمه بقرار كان بمثابة الزلزال على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن يكون له تداعيات كبيرة في العام المقبل، أي الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى اليها.
ما تقدم، لا يلغي أهمية بعض الأحداث الأخرى على المستوى السياسي الإقليمي، لا سيما بالنسبة إلى إنفجار الأزمة الخليجية بين قطر وكل من السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى التحولات التي سيطرت على المشهد السعودي الداخلي، سواء كان ذلك عبر قرارات إعتقال عدد من الأمراء والوزراء السابقين أو على مستوى الخطوات "الإصلاحية" التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان بهدف التمهيد لتسلمه العرش خلفاً لوالده الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، بالتزامن مع إرتفاع منسوب التوتر في العلاقة بين طهران والرياض، في مقابل دخول تركيا بشكل أكبر على خط التقارب من المحور الروسي الإيراني، خصوصاً على صعيد المساعي القائمة لحل الأزمة السورية.
عام القضاء على الإرهاب
على الرغم من نمو ظاهرة التنظيمات الإرهابية في السنوات الأخيرة، إنطلاقاً من الساحة السورية بشكل أساسي، يمكن القول أن العام 2017 كان مفصلياً في هزيمة هذه التنظيمات على الساحتين السورية والعراقية على المستوى العسكري، من خلال نجاح القوات العراقية في تحرير الموصل (عاصمة الخلافة الداعشية) وباقي المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم "داعش"، ونجاح الجيش السوري في تحرير مدينة دير الزور وصولاً إلى الحدود المشتركة بين البلدين، في حين نجحت قوات "سوريا الديمقراطية" في طرد "داعش" من مدينة الرقة (عاصمة الخلافة في سوريا)، لكن ذلك لم ينه العمليات الأمنية التي نفذها التنظيم في العديد من دول العالم، سواء كان ذلك من خلال عمليات الدهس والطعن أو التفجيرات وإطلاق النار.
وكانت بداية العام مع العملية الإرهابية بملهى رينا في إسطنبول وصولاً إلى العملية الأكبر بمسجد الروضة في مصر، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام مجموعة واسعة من الأسئلة حول ما إذا كان القضاء على هذا التنظيم عسكرياً يعني القضاء على التهديد الأمني الذي يشكله، خصوصاً أنه لا يزال يملك الكثير من الخلايا النائمة المنتشرة في العديد من دول العالم، كما أن هذا الواقع لا يلغي الخطر المتمثل بتنظيم "القاعدة"، خصوصاً أن الأخير يعمل على نقل الزعامة من أيمن الظواهري إلى حمزة بن لادن نجل، زعيمه التاريخي أسامة بن لادن.
مستقبل سوريا والعراق
النجاحات التي تحققت على المستوى الميداني في سوريا والعراق، كان لها إنعكاساتها على المستوى السياسي في البلدين، وهي تمثلت بشكل أساسي عبر تراجع العديد من الدول الإقليمية والدولية الداعمة لقوى المعارضة السورية عن المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى حد إبلاغ المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وفد المعارضة إلى جنيف، مؤخراً، بأن عليها أن تكون أكثر واقعية، وبأن تغيير النظام يكون عبر الإنتخابات أو من خلال الدستور، وقبل ذلك كان قد دعاها إلى الإعتراف بأنها لم تربح الحرب.
بالتزامن، من المتوقع أن يبرز دور "قوات سوريا الديمقراطية"، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، على المستوى السياسي، في العام 2018، بعد أن كانت نجحت في العام الحالي في تحقيق إنجازات على المستوى العسكري، الأمر الذي لا يزال يصطدم بالعديد من العراقيل، أبرزها رفض كل من دمشق وطهران وأنقرة للمشروع السياسي، الذي تحمله هذه القوات، المطالب بتطبيق النظام الفيدرالي، في حين أن الحكومة السورية كانت قد أعلنت، عبر وزير خارجيتها وليد المعلم، أن السقف الذي من الممكن أن تتفاوض عليه هو الإدارة الذاتية، وهو ما سيكون له تداعيات في الأيام المقبلة، بالرغم من وجود سقف لهذا الصراع يتمثل بالرغبة الروسية الأميركية بعدم الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر.
على المستوى العراقي، يمكن القول أن ذهاب حكومة إقليم كردستان إلى تنظيم إستفتاء على الإستقلال كان التحدي الأبرز التي واجهته الحكومة المركزية في بغداد، لكن على الرغم من نجاح الأخيرة في إجهاض هذا المشروع من خلال إستعادة السيطرة على محافظة كركوك وطرد "البشمركة" منها، لا يمكن إنكار أن غياب الإطار السياسي الوطني، الذي من الممكن أن يعيد لملمة الأوضاع العراقية بعد القضاء على "داعش"، سيبقى السيف المسلط على رقبة بغداد، والذي من الممكن أن يقود إلى إعادة توتير الأوضاع من جديد، خصوصاً أن غياب هذا المشروع كان السبب الرئيسي في نجاح عناصر التنظيم الإرهابي بالعودة من سوريا إلى العراق، لا سيما أن الأنظار ستتركز، في الأشهر الأولى من العام المقبل، على التحالفات التي ستبرز في الإنتخابات العامة، وكيفية التعامل مع رغبة "الحشد الشعبي" بالمشاركة فيها.
السعودية والأزمة الخليجية
في حين سيطر التوتر الذي طبع العلاقات السعودية الإيرانية على العام 2016، إنطلاقاً من قرار السلطات السعودية إعدام الشيخ نمر النمر والسجال الذي رافق مراسم الحج على خلفية حادثة منى، إستمر هذا الواقع في العام 2017 لكن مع تطورات إضافية، أبرزها وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، الذي يتبنى سياسة في العلاقة مع إيران تقوم على السعي إلى محصارة نفوذها في الشرق الأوسط، الأمر الذي من المتوقع أن يستمر في التصاعد في العام 2018 خصوصاً أن الرياض، من خلال رجلها القوي ولي العهد محمد بن سلمان، لا تزال تتبنى السياسات نفسها، وهو ما يبدو واضحاً على الساحة اليمنية التي شهدت تطوراً بارزاً تمثلت بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح من قبل حركة "أنصار الله"، بعد أن قرر التخلي عن تحالفه السابق معها والإنتقال إلى المقلب الآخر.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل تداعيات الأزمة الخليجية التي تفجرت بين كل من السعودية والبحرين والإمارات، بالتحالف مع مصر، من جهة، وقطر، المتحالفة مع تركيا، من جهة ثانية مباشرة بعد القمة الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض، لا سيما أن هذه الأزمة، بالرغم من كل الجهود الإقليمية والدولية التي بذلت، مستمرة لا بل هي مرشحة إلى التصاعد أكثر، في ظل الإتهامات التي توجه إلى الدوحة بدعم الجماعات الإرهابية والعلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي دفعها إلى التقارب مع كل من أنقرة وطهران.
على صعيد متصل، هناك تحولات من الممكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على المستوى السعودي الداخلي، والتي تمثلت في العام الحالي عبر الخطوات "الإصلاحية" التي قام بها محمد بن سلمان، سواء لناحية إعلانه العمل على محاربة الخطاب الديني المتطرف أو عبر منح المرأة المزيد من الحقوق، لا سيما الحق في قيادة السيارة، أو عبر إعتقال العشرات من الأمراء والوزراء السابقين تحت عنوان محاربة الفساد، بهدف الوصول في نهاية المطاف إلى التمهيد لتسلمه العرش بعد والده الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز.
أوروبا بين لندن وكتالونيا
على الرغم من خطر العمليات الإرهابية التي شهدتها العديد من البلدان الأوروبية في العام الحالي، من فرنسا إلى بريطانيا وألمانيا واسبانيا وغيرها من الدول الأخرى، والتي تأمل الإنتهاء منها بعد القضاء على آخر معاقل تنظيم "داعش" في سوريا والعراق حيث كان يجري الإعداد لهذه العمليات، يبقى الخطر الأكبر الذي لا يزال يحاصر القارة العجوز هو في مكان آخر، يتمثل بالتداعيات التي قد تترتب على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، الأمر الذي من الممكن أن يشجع دولاً أخرى على الإلتحاق بها، بالإضافة إلى ما حصل من أحداث في إقليم كتالونيا بعد الإستفاء على الإستقلال الذي تم إجهاضه من قبل مدريد.
بالتزامن، لا يمكن إنكار المؤشرات الإيجابية التي خيمت على الساحة الأوروبية، بعد الإعلان عن فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكررون في الإنتخابات الرئاسية على منافسته ممثلة اليمين المتطرف ماريان لوبان، في شهر أيار من العام الماضي، الأمر الذي فُسر بأنه شربة لأحزاب اليمين المتطرف في القارة العجوز.
في المقابل برزت أزمة فريدة من نوعها في ألمانيا، تمثلت في فشل المستشارة أنجيلا ميركل في تشكيل حكومة جديدة بالرغم من مرور 3 أشهر على الإنتخابات التشريعية، الأمر الذي دفع العديد من القادة الأوروبيين إلى التعبير عن قلقهم، كونه من غير الممكن اتخاذ قرارات بعيدة المدى في بروكسل، في غياب حكومة أقوى اقتصاد في أوروبا والمساهم الرئيسي في ميزانية الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى فشل المفاوضات بين التحالف المسيحي، الذي يضم الحزب "المسيحي الديمقراطي" بزعامة ميركل والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، والحزب "الاشتراكي الديمقراطي" في الوصول إلى نتيجة.
عام من ولاية ترامب
منذ لحظة الإعلان عن ترشحه للإنتخابات الرئاسية، أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تسلم مهامه بشكل رسمي في 20 كانون الثاني، جدلاً واسعاً حول شخصيته، الأمر الذي إستمر مع القرارات التي إتخذها في عامه الأول، والتي كان أبرزها على الإطلاق الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والإعلان عن التحضير لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي أدى إلى موجة غضب عارفة في الشارعين العربي والإسلامي وإلى مواقف منددة على مستوى العالم.
وكان ترامب قد وقع، في 25 كانون الثاني، قراراً ببناء جدار على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، كما وقع بعد يومين قراراً آخرَ يقضي بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى أميركا، وفي شهر نيسان أمر القوات البحرية بتنفيذ ضربة صاروخية مستهدفة قاعدة "الشعيرات" في سوريا.
وفي الأول من حزيران، أعلن ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، في حين أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في 12 تشرين الأول، الإنسحاب من منظمة اليونسكو، وفي 13 من الشهر نفسه أعلن ترامب سحب الإقرار بالتزام بلاده الاتفاق النووي مع إيران.
وعلى عكس التوقعات التي كانت تتحدث عن إمكانية حصول تطورات إيجابية على مستوى العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وصلت في العام الأول من ولاية ترامب إلى المرحلة الأسوأ منذ نهاية الحرب الباردة، لا سيما بعد إعلان الرئيس الأميركي استراتيجيته للأمن القومي، التي صنفت روسيا من بين ثلاثة تهديدات أساسية تواجهها الولايات المتحدة.
للاطلاع على تقرير "كل يوم بيومه" إضغطهنا