كلّ مؤمن بالقضية الفلسطينية كقضية حق قومي وإنساني، وبشرعية الحق الفلسطيني بما هو أبعد من قيام دولة على الأراضي المحتلة عام 1967 وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بل بصفتها قضية شعب أُخرج من أرضه واغتُصبت دياره ليقوم عليها كيان عنصري يجب أن يزول وأن تعود الأرض لأهلها، لا يوافق كلّ كلام عن سلام مع «إسرائيل» ولا يقبل كلّ كلام عن تطبيع معها، ولا يقبل كلّ كلام عن أمن متبادل بيننا وبينها ولو طبّقت القرارات الدولية كلّها، ففلسطين من البحر إلى النهر لأهلها وأمّتها، و«إسرائيل» إلى زوال.
– كلّ مؤمن بهذا الحق الفلسطيني الثابت وغير القابل للتجزئة وغير الصالح للتفاوض، يرفض المبادرة العربية للسلام ومندرجاتها، وكلّ كلام ينبثق منها ويعبّر عن ثقافتها، وكلام وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ليس خارج هذا السياق، فهو كلام يدعو لتقبّل فكرة التساكن مع «إسرائيل» والتعايش مع وجودها، على قاعدة أنّ أمنها مضمون عندما تعيد الحقوق التي طلبتها المبادرة العربية للسلام. ولذلك فهو مرفوض كما هي حال المبادرة العربية جملة وتفصيلاً.
– كلام الوزير باسيل في الجامعة العربية وكلام الرئيس ميشال عون في القمة الإسلامية ينتميان لمنطق يقبل المبادرة العربية للسلام، بقدر ما هو إعلان انحياز للحق الفلسطيني في لحظة المواجهة الراهنة. وهذا السقف الذي تمثله المبادرة العربية للسلام لم يغِبْ عن كلمة الرئيس عون وكلام الوزير باسيل في تبنّي الحقوق الفلسطينية، وهو سقف الالتزام العربي الرسمي ومنه لبنان منذ العام 2002.
– المعترضون على كلام باسيل أصحاب حق إذا كانوا من رافضي المبادرة العربية للسلام ومن دعاة زوال «إسرائيل». فهل يقع كلام الوزير السابق أشرف ريفي ومَن ينتمون مثله لمعسكر العداء لحزب الله والمقاومة ضمن هذا السياق، والمبادرة العربية للسلام صناعة سعودية، وهم يصفقون لكلّ ما هو سعودي قبل الاطلاع عليه. ومشكلة الرئيس عون والوزير باسيل أنهما يقولان للسعودية وجماعتها، من موقع التمسك بالمبادرة التي تحمل اسم الملك عبد الله، تعالوا نضغط على «إسرائيل» وأميركا لنيل ما طالبت به المبادرة كشرط لتحقيق السلام والتطبيع، كما نصت المبادرة، بينما يقول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير علناً، لا نزال نتعاون مع الأميركيين على مبادرة متكاملة لحلّ القضية الفلسطينية، ولم يسقط الأميركي كوسيط نزيه بنظرنا، ولدينا روزنامة متكاملة للتطبيع مع «إسرائيل» عندما تتحقّق فكرة الدولتين، ومن دون أن يضيف أنها مشروطة بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، ورغم كلّ ذلك لا يرفّ جفن ريفي ولا مَن مثله ولا مَن معه، وربما إذا أحرجوا بالسؤال عن الكلام، لقالوا هذا هو الموقف العربي الصحيح، فكيف أزعجهم كلام باسيل؟
– بعض منتقدي كلام باسيل من رافضي وجود «إسرائيل» والمؤمنين بالصراع الوجودي معها، يقفون في ضفة الحق، لكن لا يحق لهم القول تفاجأنا، فهو ككلّ قول منتمٍ لمنطق المبادرة العربية للسلام يقبل حلاً سلمياً تبقى بموجبه «إسرائيل» آمنة ومعترفاً بها، وبتطبيع شامل معها كما تقول المبادرة بصورة صريحة، شرط تطبيقها للقرارات الدولية، وما يحقّ لهؤلاء هو التساؤل عن جدوى هذا الكلام لباسيل في هذه اللحظة والتسبّب بالإحراج لقوى المقاومة، والتفوّه بكلمات توقيتها وساحتها قد يكونان في لحظة مختلفة وسياق سياسي مغاير. لكن لا جديد ولا مفاجأة، والخلاف بين صراع قانوني وحدودي أو صراع وجودي مع «إسرائيل» قائم، لكنه ليس بداهم، لأنّ «إسرائيل» ظاهرة خارج القانون، هكذا ولدت وهكذا تبقى، حتى تزيلها إرادة الشعوب ومقاوماتها، فليس أمامنا على الطاولة لا الآن ولا في المستقبل المنظور استعداد «إسرائيلي» للتأقلم مع القرارات الدولية والقانون الدولي كي نشهر الخلاف مع دعاة سلام على قاعدة القانون الدولي، بل المشكلة والخطر لهما مصدر آخر هو مشروع متكامل لإعلان وفاة المبادرة العربية للسلام، ليس لصالح مشروع التحرير الكامل، بل لحساب مشروع دولة فلسطينية بلا القدس، ولاحقاً بلا حق العودة، وتقف السعودية وراء هذا المشروع علناً، وأن ينبري مَن يُشهر بوجه السعودية مبادرتها التي تريد دفنها لحساب الرضى الأميركي «الإسرائيلي»، هو ما فعله الرئيس عون والوزير باسيل في الجامعة العربية والقمة الإسلامية واستحقا عليه التقدير.
– منتقدو باسيل من موقع الثناء على السعودية أو من موقع التمسك بالمبادرة العربية للسلام، مدعوّون أن يختاروا بين التصفيق لكلام باسيل كتعبير عن المبادرة العربية للسلام، أو أن ينتقدوه لأنه يدافع عن ميت والمطلوب السلام والتطبيع بدون القدس كما تقبل السعودية، وإذا ارادوا الانسجام مع أنفسهم وواصلوا الانتقاد أن يقولوا لا للسلام مع «إسرائيل» والتطبيع معها، ولو قبلت بالمبادرة العربية للسلام علناً، فكيف بما هو دونها وأقلّ منها، أما الذين يقولون إنهم فوجئوا بكلام باسيل ويستغربونه من حليف للمقاومة، أن يتساءلوا أليس هذا هو موقف لبنان الرسمي منذ العام 2002 مع ولادة مبادرة الملك عبدالله؟
– لم ولن نقبل بكلّ نوع من السلام والتطبيع مع «إسرائيل»، ولا يُريحنا كلّ كلام ينتمي لهذه الثقافة لو كان مشروطاً بالتزام «إسرائيل» ببعض الحقوق الفلسطينية، كقيام الدولة وعودة القدس وحق العودة للاجئين، لكن لا يفاجئنا صدور هذا الكلام عن كلّ ملتزم بهذه الثقافة لحلّ القضية الفلسطينية، ولا نخجل من دعوته للتمسّك بها وإشهارها بوجه مشاريع تضييع القضية الفلسطينية بثمن بخس وشروط أشدّ إذلالاً، كما تفعل السعودية، ولن يلعب بعقولنا الذين يعزفون على أوتار قلوبنا بصراع عقائدي وجودي مع «إسرائيل»، وهم يصفقون لمن يريد السلام والأمن لـ«إسرائيل»، وقد بدأ تحالفه المعلن معها، ولا يحرجه الكلام عن أنّ «قضية القدس ثانوية أمام التحالف الخليجي مع إسرائيل بوجه إيران»، كما قال وزير خارجية البحرين، الذي لم نسمع بحقه كلمة لا من السعودية ولا من جماعاتها، بل رأينا ما يلاقيه بالأفعال وبعض الأقوال ككلام الجبير عن مفهوم السعودية للدور الأميركي والتطبيع، وكما يُقال «خذوا أسرارهم من صغارهم» فعلها الوزير البحريني وفضحهم، كصغير كبير الحجم، فليُسمعنا ريفي رأيه، بما قال الجبير وتابعه الخالد من آل خليفة.
– تذكرنا حفلات الشاي في مرجعيون ونحن نسمع ريفي يحاضر بالصراع العقائدي مع «إسرائيل».