لفت العلامة السيد علي فضل الله، خلال خطبة صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، إلى أنّ "القدس لا تزال ترزح تحت وطأة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني، الّذي جاء ليعطي ضوءاً أخضر لهذا الكيان، لتصعيد إجراءاته في هذا الإتجاه، وهو لذلك يستعدّ لجولة تهويد جديدة، عبر إصدار تشريعات وقوانين جديدة تهدف إلى سلخ الفلسطينيين المقدسيين عن القدس، وتشديد إجراءات الضّغط والحصار عليهم، لدفعهم إلى الخروج منها، والتهيئة لـ"ترانسفير" جديد".
وأشار إلى أنّ "في هذا الوقت، يبرز إلى العلن الحديث عن الصّفقة الأميركيّة الّتي عُرضت على السلطة الفلسطينية لإعطاء الفلسطينيين بلدة أبو ديس بدلاً من القدس، ما يوحي بما كنّا أشرنا إليه بأنّ قرار الولايات المتحدة الأميركية اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، لم يأتِ اعتباطاً، بل يُراد لهذه الخطوة أن تكون بمثابة كرة الثلج الّتي تنطلق بعدها خطوات أخرى بشكل تدريجي وتصاعدي، لفرض أمر واقع جديد على الأرض".
وركّز السيد فضل الله، على أنّ "على الرّغم من أهميّة القرار الّذي اتّخذته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بإبطال قرار الرئيس الأميركي، وهو ما شكّل صفعة له، فإنّ الإدارة الأميركية الّتي تعاملت مع المنظمة الدولية باستهتار واحتقار، عندما استخدمت "الفيتو" بكلّ صلافة ضدّ كلّ الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن، ها هي تعاقب المنظمة على تحدّيها للقرار الأميركي بخفض مساهمتها المالية في ميزانية الأمم المتحدة".
وأوضح أنّ "مع هذه المواقف المعادية للحقّ الفلسطيني، نتساءل: ماذا أعددنا كعرب ومسلمين وكقوى تحرّر لمواجهة كلّ ما يجري؟ للأسف، لم نشهد أيّ خطة أو موقف على مستوى خطورة ما يجري، بل ربّما نشهد محاولات لتمييع الرفض العربي، وثمة من يضغط على الفلسطينيين ليوقف احتجاجاتهم ونضالهم"، مركّزاً على أنّ "المطلوب أن يثبت العالم العربي والإسلامي أنّه على مستوى التحدي، وأن يواصل رفضه، ويستمرّ في تحرّكاته الإقليميّة والدوليّة لإبقاء جذوة الرفض لهذا القرار".
وشدّد فضل الله، على أنّ "الثقل الحقيقي في عملية الرفض يتمثّل في الشعب الفلسطيني نفسه. هذا الشّعب الّذي لم يكلّ ولم يملّ منذ احتلّت أرضه، ولا يزال يتحرّك في حركة انتفاضة تتصاعد حيناً وتخفت أحياناً، ولكنّها لا تتوقّف"، جازماً أنّ "هذا الشّعب بحاجة إلى كلِّ الطاقات العربية والإسلامية ليشعر بأنّ له سنداً كبيراً يعينه على الصمود، بتقديم المساعدات الّتي توفّر أسباب العيش الكريم، ورفد النتفاضة بكلّ ألوان الدعم المالي والسياسي والحضور في الساحات، ورفع صوت الإحتجاجات واستخدام الضغوط على الدول المفرّطة بحقوق الشعب وحرية القدس".
وبيّن أنّ "في اليمن، لا يزال هذا البلد يعاني آثار حرب جعلت شعباً بكامله تحت وطأة الحصار، وجعلت الملايين فريسة لمرض الكوليرا وغيره من الأمراض، إضافة إلى الغارات الّتي تقتل العشرات من المدنيين يوميّاً، وتمرّ معها الكلمات الإعتراضية والتصريحات المعترضة بخجل مرور الكرام".
وتساءل فضل الله، "أما آن الأوان لطاحونة الموت هذه أن تتوقف في اليمن؟ ألم يحن الوقت بعد مرور أكثر من ألف يوم على عمليات القتل المنظّم، أن يتحرّك هذا العالم الصامت لوقف الحرب العبثية الّتي لن تكون نهايتها إلّا من خلال التسوية أوّلاً وأخيراً؟".
ونوّه إلى أنّ "في البحرين الّذي تستمرّ أزمته السياسية من دون أيّ حلٍّ يعيد لهذا البلد توازنه ودوره، فإنّنا في هذا المجال، نقدّر المبادرة الوطنية الشاملة لمعالجة الأزمة الراهنة، الّتي أطلقها العلامة السيد عبد الله الغريفي، وطالب فيها النظام بتوفير المناخات الملائمة لإعادة إنتاج الثقة بين النظام والشعب"، لافتاً إلى "أنّنا نرى في هذه المبادرة فرصة كبيرة لطيّ الصّفحة المؤلمة الَّتي تعيشها البحرين منذ سنوات"، داعياً الحكومة البحرينية إلى "الإستجابة لهذه المبادرة، الّتي نعرف أنّها لم تنطلق إلّا بداعي الحرص على البحرين دولة وشعباً، ليعود هذا البلد إلى عهده في الإستقرار والوئام والسّلام".
ولفت فضل الله إلى أنّ "لبنان الغارق في تفاصيل الخلاف الجاري بين أهل الحكم، هذا الخلاف الّذي كنّا ولا نزال نأمل أن يعالج ضمن الأطر الدستورية، وبما يحفظ التوازن المطلوب داخل هذا البلد بين الطوائف والمذاهب، فلا تشعر أي جهة أو مكوّن بأن هناك من يريد تجاوزها، وخصوصاً في ظلّ استمرار الهواجس المتبادلة بين الأفرقاء، والّتي نأمل أن تغيب"، مؤكّداً أنّ "لنا ملء الثقة بحكمة أركان الدولة بتجاوز هذه الإنتكاسة في مسار الحكم، والعودة إلى أجواء الوفاق الّتي حكمت المرحلة السابقة، الّتي استطاع الفرقاء اللبنانيون من خلالها أن يواجهوا مأزق تلك المرحلة ويواجهوا التحديات الكبيرة الّتي تنتظرهم، وما أكثر هذه التحديات في الداخل والخارج".
وركّز على "أنّنا نتطلّع إلى أن يكون العام الجديد القادم مختلفاً عن العام الّذي سبقه، بأن يكون محطة انطلاق حقيقيّة لبناء خطّة متكاملة لمعالجة قضايا المواطنين العالقة، والنهوض بالاقتصاد اللبناني، والاهتمام بالقطاعات الإنتاجيَّة بعد أن ضعفت الإيرادات الخارجية، وبالمشاريع الإنمائية المتوازنة التي تشمل المناطق اللبنانية كافة، ولا سيما الأطراف التي تعيش في ظلِّ معاناة أكثر قسوة من بقية المناطق".