ليست وحدها الكيمياء هي المفقودة بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري. فالزعيمان ينتميان الى مدارس مختلفة بالسياسة كما بالادارة، أضف الى كل ذلك ان شيئا لا يجمعهما الا بعض الخطوط العريضة بالاستراتيجية الاقليمية والدولية. أما في الداخل اللبناني، فما يختلفان حوله أكثر بكثير مما يتلاقيان عليه، وليست الأزمة الأخيرة على خلفية ملف مرسوم ترقية ضباط من دورة 1994 الا حلقة في سلسلة طويلة من الأزمات السابقة والمقبلة لا محال. فلا عون سيسامح وينسى تحوّل بري لرأس حربة في معركة التصدّي لوصوله الى سدّة الرئاسة، ولا بري سينسى تصويب عون المستمر على عدم شرعيّة البرلمان الذي يرأسه والممدّد لنفسه لـ3 مرات.
هي اذا معركة مفتوحة بين الرجلين تتخذ حاليا شكل صراع على "عصا المايسترو" التي آثر رئيس البرلمان لسنوات طوال الامساك بها. عون قرر وبعد وصوله الى سدّة الرئاسة أن يتولى شخصيا إمساك العصا وادارة اللعبة اللبنانية، وهذا وحده كفيل بتفجير العلاقة مع "حليف الحليف" الذي يبدو مستنفرا أكثر من أي وقت مضى للتصدّي لمحاولات تقليص دوره ما سيُسقط عنه تلقائيا لقب "دينامو السياسة اللبنانية".
وان كان طرفا الصراع، اي بري وعون يحاولان قدر الامكان ممارسة أعلى درجات ضبط النفس من خلال محاولات التوصّل الى حدٍّ أدنى من التفاهمات لاقتناعهما بأنّهما مجبرين على التعايش معا أقله للسنوات الـ5 المقبلة، الا أن الاحتقان الكامن في النفوس لا يتأخر بالبروز عند اي منعطف سياسي كما في كل ملف قد يشكل حساسية ما لأي منهما، وهو ما يتجلى بوضوح في ملف مرسوم ترقية الضباط والذي يعتبره عون ذات أولوية قصوى بالنسبة له، ما جعل بري ينقضّ عليه محاولا تسجيل نقاط على حسابه، وان كان الطرفان مقتنعان في النهاية ان المرسوم سيمر لا محال. وتعتبر مصادر قيادية عونية ان ما هو حاصل يندرج باطار محاولة رئيس المجلس تحوير مسار الملفّ بهدف "الزكزكة السياسية"، لافتة الى ان خروج الرئيس عون ليعلن صراحة ان الأزمة الحاصلة ليست الا نتاج "صراع سياسي"، يبسّط الواقع الحالي الذي قد يبدو لكثيرين معقدا نظرا لاصرار بري على اقحام الدستور والميثاق في الموضوع، علما ان ما يطرحه يبعتد كل البعد عن فحوى الدستور، لا بل يهدد بادخال تعديلات جذريّة عليه، خصوصا في حال اصراره على توقيع وزير المال على كل المراسيم من منطلق تأمين توقيع شيعي الى جانب التوقيعين المسيحي والسني على هذه المراسيم. وتشير المصادر الى ان ذلك من شأنّه أن يحوّل وزارة المالية حصرا للشيعة، وهو أمر يحتاج للكثير من النقاش، "وان كنا قد لا نعارضه شرط ان يقترن مع ادخال تعديلات دستورية توافق عليها جميع المكونات اللبنانية".
وبالرغم من اصرار حزب الله على تحييد نفسه عن هذا السجال حرصا على عدم احراج أي من حلفائه، علما انّه معني أساسي به، يبدو أقرب الى مناصرة رؤية برّي وان كان لا يرى سببا لتضخيم الأزمة، كما يفعل رئيس المجلس الذي لم يتوانَ مقرّبون منه حتى عن التهديد بتحويلها أزمة حكوميّة مفتوحة، وهو ما يرفضه الحزب رفضا قاطعا.
بالمحصّلة، سيبقى صراع عون–بري المفتوح والذي يتخّذ في كل مرحلة شكلا مختلفا، عقبة اساسية أمام الشروع في عملية تغيير واصلاح حقيقيّة بعد الانتخابات النيابية خاصة وأن كل المؤشرات تؤكّد عودة بري الى قيادة مجلس النواب بعد الاستحقاق المقبل، لتتمدد بذلك مرحلة المعركة المفتوحة على "عصا المايسترو".