مرّ أسبوع على بداية الاحتجاجات في إيران، والتي عمّت مختلف المحافظات الإيرانية. وفيما انطلقت المظاهرات نتيجة السياسة الاقتصادية لحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني ونتيجة الحزمة الضريبية الكبيرة والقاسية بحق الشعب، ينتظر المراقبون إلى ما ستؤول إليه الأوضاع هناك، بعد التهليلات الخارجية للمتظاهرين. المعطيات الحالية تؤكد أن الأحداث قد شارفت على النهاية، بعد تمكّن السلطات من ادارة الأزمة واخماد فتيل المواجهات، وبعد اعلان قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري عن هزيمة "فتنة 2017" في إيران.
بعيداً عن التحرّكات السياسية والمطالبات باسقاط النظام التي انتشرت في بعض المحافظات، يسلّط البعض الضوء على بعد آخر للتحركات وهو البعد العرقي. ففي المجتمع الإيراني عدة أعراق كانت دائماً سبباً لبعض التحركات الاحتجاجية في عدد من المحافظات.
أبرز القوميات التي يتألف منها المجتمع الإيراني هي الفرس والأذريون والجيلاك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان، ويتوزعون على معظم المحافظات الايرانية(1).
بعد القومية الفارسية التي تشكّل أكثر من نصف الشعب الايراني، تأتي القومية الأذرية التي تشكل ثاني اكبر قومية ايرانية من حيث العدد. ويتواجد معظمهم في محافظات أذربيجان الشرقية وأردبيل وزنجان وأجزاء من أذربیجان الغربیة، وبأعداد قليلة في محافظات أخرى مثل كردستان وقزوين وهمدان وغیلان ومركزي. ويعد الأذريون من أهم القوميات التي انتفضت ولمرات عديدة في وجه النظام الشاهنشاهية، حتى نجحوا عام 1945 من إقامة جمهوريتهم الديمقراطية، لكن انسحاب قوات الاتحاد السوفياتي السابق من شمالي إيران أدى إلى انهيار الجمهورية الوليدة. وكانت مشاركة الأذريين في ثورة عام 1979 سببا كبيراً في الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، وتحوّل إيران إلى نظام إسلامي، وبالتالي هو بيضة القبان لأي نظام في ايران.
حديثاً، لم يسجّل أي تحرّك للأذريين ضد النظام الا في العام 2006 عندما قام أحد الرسامين بنشر كاريكاتير تهجّمي ضد اللغة التركية والأذرية. واندلعت على أثرها مظاهرات عارمة، دفعت الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى تقديم اعتذار، وزيارة الإقليم واتخاذ إجراءات بحق الصحيفة التي نشرت الكاريكاتير. وفي العام 2009، إبان الثورة الخضراء(2)، لم تندلع أي تحركات في المحافظات الأذرية وهو مؤشر ايجابي للسلطات في حينها.
ثالث الأعراق في ايران هو العرق الكردي، الذي يطالب، كما في سوريا والعراق وتركيا، بالانفصال وبناء كردستان الموحدة مع كل الأكراد في المنطقة. ويتركز وجودهم في جبال زاغروس على امتداد الحدود مع تركيا والعراق، حيث يتجاورون مع نظرائهم الكرد في هذين البلدين، وبحسب المحافظات فهم يتوزعون على أربعة منها، أذربيجان الغربية، كردستان، كرمنشاه، وإيلام. وأيضاً لم تتحرك هذه المجتمعات بشكل جماعي تحت شعار "العرق" في هذه التحركات.
رابع الأعراق هو العرق العربي أو ما يعرف بالأهوازي في ايران و"الأحوازي" في البلاد العربية. هي أكثر المناطق الايرانية التي تشهد اضطرابات بشكل مستمر نظراً لوجود عدد كبير من الراغبين في الانفصال عن ايران والانضمام إلى العالم العربي، ويعتمدون اللغة العربية لغة رسميّة لهم، ويشكلون اكثرية سكان محافظة خوزستان والأهواز ونصف سكان محافظة هرمزكان. أيضاً هذه المجتمعات لم تخرج تحت شعارات انفصالية، بل كانت مطالبها اقتصادية، الى جانب بعض التحركات المشبوهة والمدفوعة خارجيا نظرا لقدرة بعض الدول العربية على التأثير على بعض الاهوازيين.
مع تعدد الأعراق في الساحة الإيرانية، هل من علاقة بينها وبين الأحداث الأخيرة؟
في بداية المظاهرات في 28 كانون الأول الماضي، أظهرت جميع الشعارات في المظاهرات التي جمعت كل الإيرانيين، أن الهدف واحد وهو خفض الضرائب واعادة دعم الدولة للمواطنين، إضافة للمساعدة في موضوع افلاس بعض المصارف والمشاريع الاقتصادية. وهذا الوضع الاقتصادي مسّ جميع المواطنين في كل المحافظات، دون تمييز بين عرق أو محافظة.
ورغم احراق عدد من صور المرشد الأعلى في ايران السيد على الخامنئي ومؤسس الجمهورية الاسلامية السيد روح الله الخميني، ورغم الشعارات المناهضة للثورة والمعارضة للنظام الحالي في إيران، إلا أنها لم تحمل أي بعد عرقي أو مناطقي، بل كانت تحت شعار الدولة الموحّدة التي لا تخضع للنظام الإسلامي الموجود حالياً.
وبالتالي فإن ربط الأحداث بالأبعاد العرقية للشعب الإيراني هو توجيه واضح للمظاهرات لإظهار انقسام داخل بيئة الشعب، تماما كما حصل خلال أحداث الدول العربية عندما صُوِّرَ الأمر وكأنه صراع بين السنة والشيعة.
كذلك يتجه البعض إلى تصوير أحداث إيران اليوم على أنها خارج السياق العام للمجتمعات في العالم، أو أن المظاهرات أو نزول الشعب إلى الشارع هو جديد على البيئة الإيرانية، مع العلم أن القانون الإيراني ينص على حق الشعب في التظاهر والتعبير عن رأيه. وينص القانون الإيراني على "حق الأقليات في استعمال لغاتها في المجالات التعليمية والثقافية"، وبالتالي فإن حقوق الأقليات في هذه المجتمعات محفوظة بالقانون الإيراني رغم بعض التجاوزات.
فلماذا توجيه الإعتصامات الحقوقية الاقتصادية نحو منحى قومي؟، وهل هناك من يحلم بتفكيك إيران عبر زرع بذور الانقسام؟.