لا قلق على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لا أقول ذلك من باب تبسيط الأزمة الحالية ولا من باب ضخّ المعنويات والمكابرة على الواقع، بل مقاربة الأزمة على مبدأ العلم وقراءتها وفق المعطيات والظروف الموضوعيّة.
أولاً: نعم، هناك أزمة اجتماعيّة وبطالة وضعف في القدرة الشرائيّة وتضخم في الأسعار وصعوبات معيشية تضغط على حياة المواطن الإيراني، ولكن هذا ليس بجديد على الإيرانيين أبداً. فمنذ قيام الثورة الإسلاميّة والشعب الإيراني يتعرّض لحصار شديد، وعقوبات أنهكت اقتصاده ولم ترفع من مستوى معيشته التي كان يترقّبها إثر وعود الحكومات المتعاقبة.
ثانياً: إنّ الأزمة الاجتماعية، في عهد الشاه المؤيّد للغرب وفي ظلّ انفتاح إيران على العالم، كانت أقسى منها الآن. والغالبية العظمى من الإيرانيين كانت تعيش تحت خط الفقر بسبب استيلاء الشاه وحاشيته على المال العام واستفراده بتوزيع المغانم، ومع ذلك لم يركّز الإعلام الغربي آنذاك على هذه القضية تماماً، كما يفعل مع كلّ الشعوب المستعمَرَة والمسروقة ثرواتها بسبب العلاقة التي تربط المستعمر مع النخبة الحاكمة التابعة له.
ثالثاً: إنّ حجم الإنجازات التي تحققت في عهد الثورة والمشاريع التي بُنيت والخدمات التي قُدّمت للشعب الإيراني جعل إيران تتصدّر الدول في المنطقة لجهة تطوّر اقتصادها وتنوّع مصادره، بل شكلت مثالاً يُحتذى به على صعيد بناء قاعدة اقتصادية صلبة تتضمّن استثمارات في مختلف القطاعات، وهوية اقتصادية تعتمد على القدرات المحلية. وهذا ما جعل الغرب يحنق لهذا القفزات العلمية والاقتصادية على الرغم من كلّ الإجراءات العقابية والمالية التي اتخذت لبقاء إيران في دائرة التخلّف العلمي والاقتصادي.
رابعاً: إنّ القيادة الإيرانية والحكومات المتعاقبة وضعت على رأس أولوياتها القضاء على الفقر والحرمان والتمييز والتهميش الاجتماعي، وكلّ السياسات الاجتماعية كانت في إطار تحسين الوضع المعيشي والارتقاء بالخدمات الأساسية من الصحة والسكن إلى التعليم، والحدّ من البطالة من خلال توسيع دائرة الاستثمار لخلق وظائف جديدة، ثم تأمين الضمانات التي تهدف لتحقيق الاستقرار النفسي والوظيفي لكلّ العاملين في القطاعات المختلفة.
خامساً: من الطبيعي ونتيجة الخلل الذي يحدث في الحسابات أو بسبب الخيارات التي تتخذها النخبة السياسية والاقتصادية في إطار خطّة للحدّ من الإنفاق وتحفيز الاستثمارات على سبيل المثال أن يقع سوء تقدير يسبّب حالة من السخط وعدم الرضى الشعبي، فتبدأ الحراكات والتظاهرات المندّدة والمعارضة التي يحصل على إثرها تراجع من قبل الحكومة أو تسوية ما، وغالباً ما يترافق ذلك مع أعمال شغب وفوضى.
سادساً: إنّ اللافت في الأزمة الحالية ليس البعد الاقتصادي الداخلي على أهميته للإيرانيين المتضرّرين من إجراءات الحكومة الأخيرة، وإنما البعد السياسي الذي يريد تحويل القضية إلى أزمة مع النظام. وكان واضحاً منذ البداية التدخّل السافر لبعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي لا تزال تُصرّ على إجراءاتها العدائية وتسعى بالسبل كافة لإسقاط النظام. وهذه المرة تحدث هذه الأزمة في ظلّ استراتيجية للرئيس الأميركي مع عدد من الدول العربية وعلى رأسها السعودية لتخريب الوضع الأمني وإثارة القلاقل والاضطرابات.
سابعاً: على الرغم من كلّ هذه الضجيج الإعلامي والتهويل السياسي إلا أنّ هذه الأزمة لن تكون لها تأثيرات على النظام الذي يستمدّ شرعيته من قاعدة شعبية عارمة. والشعب نفسه بغالبيته الساحقة يرى مصلحة أكيدة في الحفاظ على مرتكزات النظام الذي أمّن له هوية وطنية مستقلة، وسلاماً بين مكوّناته العرقية والدينية لا مثيل له، ومكاسب اقتصادية كبيرة، ومزايا اجتماعية ينتظر مراكمتها بتصحيح الأخطاء والتجارب.
ثامناً: إنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تحاصَر وتحارَب على مواقفها إلى جانب الشعوب المستضعفة في العالم ستستمرّ بإرادة أقوى ووعي أعمق والشعب الإيراني المؤمن والصابر الذي قضى على المؤمرات الماضية كلّها وواجه الحروب الظالمة كلّها سيدافع عن وجوده وهويته والتزاماته وشعاراته ولن يتخلّى أبداً عن روح الثورة التي لا أشكّ للحظة أنها هي المنتصرة!