بعد أشهر من الأخذ والرد، تسلم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يوم أمس، أوراق إعتماد السفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوب، بعد أن كان الأخير قد سلمها، قبل ذلك، إلى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بالرغم من أن تاريخ تعيينه يعود إلى شهر شباط من العام 2017، إلا أن هذه الخطوة تأخرت لحين إرسال الدوائر المختصة في الرياض موافقتها على تعيين فوزي كبارة سفيراً للبنان لديها.
ما حصل كان من الممكن أن يمر مرور الكرام، لولا الأزمة الأخيرة التي سيطرت على العلاقات اللبنانية السعودية، لا سيما بعد إجبار رئيس الحكومة سعد الحريري على تقديم إستقالته من الرياض، الأمر الذي كان من الممكن أن يكون له تداعيات خطيرة على الأوضاع المحلية، ما يدفع إلى طرح أكثر من علامات إستفهام حول ما تريده المملكة اليوم من الساحة المحلية.
في هذا السياق، تشير أوساط سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن من غير الممكن، في الوقت الراهن، الحديث عن طي صفحة أزمة إستقالة الحريري بأي شكل من الأشكال، بالرغم من أهمية معالجة أزمة تعيين السفيرين بين البلدين، خصوصاً أن الحملات الإعلامية بين الجانبين لا تزال مستمرة، وتلفت إلى أن الجانب اللبناني يبدو أقرب إلى الذهاب نحو خطوات إيجابية من الجانب السعودي.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن مستقبل العلاقة بين البلدين يتوقف على ما تريده الرياض من الساحة المحلية، في المرحلة المقبلة، لا سيما على مستوى الطائفة السنية التي تعيش حالة من الضياع، وتسأل: "هل قررت الرياض التراجع عن قرار المواجهة مع حزب الله أم تلتزم سياسة التهدئة بانتظار ظروف أفضل من التي كانت سائدة في السابق"؟.
من وجهة نظر الأوساط نفسها، لا يمكن أن تكون السعودية في موقف المتراجع، خصوصاً أن ذلك سيفسر على أساس أنه خسارة كبيرة لها أمام المحور المقابل الذي تقوده إيران، لكنها لم تكن تملك خيار التصعيد في ظل الضغوطات التي تعرضت لها على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى ردّة الفعل المحلية التي ترجمت تضامناً واسعاً مع رئيس الحكومة وإلتفافاً حول موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي كان عليه إلتزام سياسة التهدئة، أو العودة خطوة إلى الوراء، ولو كان ذلك مرحلياً.
إنطلاقاً من ذلك، ترى الأوساط السياسية المطلعة أن الرياض في مرحلة إعادة لملمة أوراقها في لبنان، خصوصاً أن الإنتخابات النيابية باتت على الأبواب، وهي ستسعى إلى لعب دور بارز في هذا الإستحقاق، بهدف الحد من الخسائر التي قد تلحق بحلفائها، الأمر الذي دفعها إلى العمل على معالجة أزمة السفيرين لتكون قادرة على مراقبة الأوضاع عن قرب، وتضيف: "السفير اليعقوب سيكون أمامه جدول أعمال كبير من اليوم إلى حين الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي".
في هذا الإطار، تعتبر الأوساط نفسها أن السعودية لن تعمد إلى حصر نفسها في تحالفات معينة، خصوصاً في الدوائر ذات الأغلبية السنية، بل ستعمل على التقرب من كافة الأفرقاء الفاعلين، بالإضافة إلى دعمها تيار "المستقبل"، على عكس ما يروج له البعض لناحية تخليها عنه، لكنها في المقابل لن تمانع توجيه ضربة قاسية له، تكون بمثابة رسالة لرئيس الحكومة بأن المواقف التي يتخذها لم تكن مفيدة له على المستوى الشعبي.
وفي حين تؤكد هذه الأوساط أن الرياض تدرك صعوبة خرق الساحة الشيعية، بسبب التحالف بين كل من "حركة أمل" و"حزب الله"، تؤكد أنها ستعمل على إضعاف "التيار الوطني الحر" على الساحة المسيحيّة، من خلال دعم القوى والشخصيات المعارضة له، لا سيما أنها تحمّل التيار مسؤولية تراجع نفوذها في لبنان، من خلال إحتواء تيار "المستقبل".
في المحصّلة، تجزم الأوساط السياسية المطلعة أن الرياض ستكون حاضرة في الإستحقاق الإنتخابي المقبل من جهة، وتشير إلى أنها تراهن على تطور الأحداث على الساحة الإيرانية من جهة ثانية، على إعتبار أن ذلك سيكون له تداعيات على حلفاء طهران في لبنان.