اطلق المدير العام للامن العام اللواء المتقاعد عباس ابراهيم سلسلة مواقف عبر حديث ادلى به منذ ايام الى مجلة "الامن العام"، صبت كلها في خانة الطمأنة وعدم التخويف، على عكس ما ينطق به بعض السياسيين والمسؤولين. هذه الطمانة تخوّف الكثيرون من ان تكون مجرد كلام مطمئن يطلق عبر وسائل الاعلام، وليس واقعاً ملموساً يمكن الاعتماد عليه. انما مسار الامور، وطبيعة اللواء ابراهيم اشير الى العكس، فالرجل نجح في حصد ثقة محلية واقليمية بارزة بسبب مواقفه الخالية من المواربة والتي حرص فيها على عدم ملامسة التضليل، حتى حين لم يكن باستطعاته قول الحقيقة كاملة بسبب الظروف التي كانت تحيط بطبيعة المهام الموكلة اليه وابرزها قضية الاسرى والمخطوفين، كان يرسل اشارات يستدل منها ما قد تحمله الايام والساعات المقبلة.
ولكن، ما هي الامور التي استند اليها ابراهيم لاطلاق تطميناته، فيما العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب عادت الى التوتر بعد ان مرّت بـ"شهر عسل" قصير، ولم تصطلح بعد العلاقة بين رئيس الحكومة وعدد من الاطراف المحلية، في وقت لا تزال الغيوم ملبّدة في اجواء السعودية وايران؟ في الواقع، لا شك ان شبكة الاتصالات التي نسجها، ولا يزال، المدير العام للامن العام تخوّله معرفة امور لا يطلع عليها سوى قلة من الناس، وبالتالي فإن معلوماته اكثر بكثير من تلك التي يمكن ان يحصل عليها غيره. انما، من خلال ما تيسّر من معلومات، ووفق الاجواء العامة، فإن بعض المواضيع اعطت ما يكفي من دلائل لبناء رؤية مبدئية لما ستكون عليه الامور في المستقبل القريب.
فعلى صعيد العلاقة المتوترة بين عون وبري، اصبح من الموضوعي القول انها لن تشهداً تصاعداً خطيراً في التوتر، ولن تتحول الى كرة ثلج تجرف في طريقها كلما تم بناؤه منذ اكثر من سنة وحتى اليوم. فالتسوية التي تم الحديث عنها، وهي نفسها التي قال عنها ابراهيم في حديثه ان "لا خيار بديلاً منها"، اثبتت انها اقوى من كل العراقيل التي وُضعت امامها حتى الآن اكانت اقليمية ام محلية، ولعل ما حصل مع الحريري في السعودية وتداعياته والكلام عن تدخلات ايرانية في لبنان ونتائجه، خير دليل على ذلك لانها كلها لم تستطع ان تهزّ هذه التسوية التي بقيت ثابتة، وهو امر جيّد. اضافة الى ذلك، يدرك ابراهيم تماماً ان اقتراب الانتخابات النيابية عامل اضافي لمنع تدهور العلاقة بين الاطراف، حتى ولو شهدت بعض الشوائب او التوتر، لان القانون الجديد يوجب الحفاظ على شعرة معاوية بين الاطراف، حتى لو بدا ان حزب الكتائب يغرّد خارج السرب...
وعلى صعيد الاجواء الملبّدة بين السعودية وايران، ليس هناك من متحمس بينهما او ممن يؤيدهما ان يتسبب بشرخ كبير في الاستقرار الداخلي اللبناني، لان ما تحقق حتى الآن بعد هذه التسوية يرضي الجميع، وبالفعل ليس هناك من تسوية اخرى افضل من التي حصلت، ولو كان هناك اخرى، لكانت اطلت بشائرها قبل وقت طويل ولكانت التسوية الحالية تعرضت لكل اشكال اطلاق النار ومن مختلف العيارات.
اما التطمينات الامنية، فلا حاجة للتذكير بكمية المعلومات التي يملكها اللواء ابراهيم في هذا المجال، وخصوصاً في مسألة المخيمات الفلسطينية التي يتخوّف منها الجميع، وبالتالي فإن كلامه على الصعيد الامني لا يمكن التشكيك بمصداقيته، وبالتالي فإن الامن في لبنان سيبقى ممسوكاً، وان الاجهزة الامنية اللبنانية ستحاول ابقاء سيطرتها على الخلايا الارهابية النائمة التي فقدت الكثير من مقومات قوتها، وسيبقى بالتالي الامن اللبناني على حاله من الاستقرار التي ميّزته عن غيره من الدول في الفترة الاخيرة.
بناء على ما تقدم، ليس من المبالغ فيه القول ان التطمينات التي اطلقها اللواء ابراهيم فعلية، وهي ثابتة اقله في الفترة المقبلة التي تسبق الانتخابات النيابية المنتظرة.