معظم المسؤولين والمواطنين المعنيين في عالم العرب وغير العرب يصغون باهتمام شديد لما يقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فالرجل قائد مقتدر لتنظيم مقاوم قوي بات له دور إقليمي فاعل، وتتسم سلوكيته الشخصية والسياسية بالصدق والدقة والجدّية لدرجة أنّ جمهور «إسرائيل» يصدّقه أكثر مما يصدّق زعماءه.
السيد نصرالله أدلى منتصفَ الأسبوع الماضي، خلالَ مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي المرموق سامي كليب، بجملة آراء ومواقف لافتة تنطوي على أهمية استراتيجية، لعلّ أبرزها أنّ «إسرائيل» والولايات المتحدة قد تتّجهان إلى شنّ «حرب كبرى» على تنظيمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى أطراف محور المقاومة الداعمة لها في لبنان وسورية وحتى في العراق و… إيران. وحرص السيد نصرالله على تأكيد أنّ قوى المقاومة، اللبنانية والفلسطينية والسورية، باشرت في اتخاذ تدابير استثنائية، تنظيمية وعسكرية، لمواجهة مخاطر «الحرب الكبرى» وتداعياتها، وانّ أهداف قوى المقاومة في هذه الحالة لن تقتصر على اقتحام منطقة الجليل، شمال فلسطين المحتلة، بل ستبادر الى تحرير القدس، تحديداً، وما بعدها أيضاً.
أهمية كلام السيد نصرالله تنبع من اعتبارين: الأوّل لكونه، في الواقع، المحرّك الرئيس لأطراف محور المقاومة إيران، سورية، حزب الله، وفصائل المقاومة الفلسطينية ولكونه أيضاً الناطق الميداني باسمها، إنْ صح التعبير الثاني لكونه قدّم استشرافاً منطقياً لتطورات الصراع في الإقليم يرجّح، في الغالب، اندلاع حرب كبرى.
استشراف السيد نصرالله يتعزّز بالواقعات الآتية:
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنهى، بقرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة «إسرائيل»، إمكانيةَ التسوية ومسار المفاوضات المعطَّل أصلاً بين العرب والصهاينة وأجّج النزاع المحتدم بينهما.
القادة الصهاينة تلقفوا قرار ترامب وباشروا فوراً في استغلاله على نطاق واسع بتوسيع دائرة الاستيطان وبقانون من الكنيست يجعل من القدس الموحّدة «عاصمة أبدية» لـ «إسرائيل» وأمراً واقعاً محروساً باستحالة التفاوض بشأنها او التخلّي عن أيّ جزء منها وبقرار يكرّس ضمّ المستوطنات المستعمرات في الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني نهائياً والتشدد في قمع المتظاهرين والمعترضين ومقاومي هذه التدابير الجائرة حتى حدود تطبيق أحكام الإعدام بحقهم.
ـ اقتران هجمة أميركا و»إسرائيل» الكاسرة على حقوق الفلسطينيين بحملة لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني في إطار مسارٍ متدرّج لتصفية قضية فلسطين مقروناً بمساعٍ حثيثة لإقامة تحالف بين السعودية و»إسرائيل» وما يتيسّر من سائر دول الخليج بغية مجابهة إيران إقليمياً والحدّ من نفوذها، لا سيما في سورية والعراق.
يستنتج السيد نصرالله أنّ إنهاء خيار المفاوضات يؤدّي إلى تقليص مساحة التعامل ولو المحدود بين طرفي النزاع ما يفضي بالضرورة الى احتدام الصراع وازدياد فرص الصدام.
إلى ذلك، تُدرك «إسرائيل» تعاظم قدرات إيران على جميع المستويات، وبالتالي قدرة حزب الله على تدمير مرافقها الحيوية الكهربائية والصناعية وموانئها الجوية والبحرية فضلاً عن مستودعات الأمونيا ومفاعل ديمونا النووي الأمر الذي يهدّد الكيان الصهيوني أمنياً ومصيرياً. من المنطقي، والحال هذه، ان تتحسّب «إسرائيل» وأميركا للمخاطر والتهديدات الناجمة عن الوضع السياسي والعسكري المستجدّ، ولا سيما لاحتمال تفعيل خطة ترابط الجبهتين اللبنانية والسورية في وجه «إسرائيل»، فتبادر، ربما، إلى ضرب أطراف محور المقاومة للحؤول، استباقاً، دون اكتمال قدراتها ولإجهاض أيّ محاولة من جانبها لتهديد أمنها القومي.
في سياق إبراز هذه الواقعات والتطوّرات صدر عن السيد نصرالله في سياق مقابلته التلفزيونية تأكيدان لافتان ومهمان: أولهما أنّ أطراف محور المقاومة ستواجه بقوةٍ احتمال لجوء «إسرائيل» وأميركا إلى خيار «الحرب الكبرى» وأنها تمتلك القدرات اللازمة للردّ الفاعل، وثانيهما أنه يقتضي تحويل التهديد الصهيوأميركي بالحرب إلى فرصة يقتضي اغتنامها لتحرير القدس.
ينهض في ضوء ما تقدّم بيانه سؤال ملحاح: متى تجد «إسرائيل» ومن ورائها أميركا نفسها مضطرة للجوء إلى خيار «الحرب الكبرى» ضدّ أطراف محور المقاومة، ومتى يجد محور المقاومة نفسه، تالياً، مضطراً الى الردّ الشامل؟
لعلّ القرار الحاسم، بالنسبة لـ «إسرائيل» في هذه الحالة، يتوقّف على ثلاثة شروط:
أولها، تأكّدها وخشيتها من توافر أسلحة كاسرة للتوازن صواريخ بالستية موجّهة ودقيقة، ومنظومة نوعية للدفاع الجوي، وطائرات متطوّرة وأخرى مسيّرة بلا طيار، وتصنيع أسلحة دمار شامل لدى أطراف محور المقاومة ما يمكّنها من تدمير مرافقها الحيوية وتمزيق جبهتها الداخلية.
ثانيها، اختلال راجح في موازين القوى لمصلحة العرب، ولا سيما إذا ما ساندت مصر بشكلٍ أو بآخر أطراف محور المقاومة، وخاصةً في حال كسرها الحصار والطوق المفروضَيْن على قطاع غزة.
ثالثها، استعداد الولايات المتحدة للمشاركة في «الحرب الكبرى» على أطراف محور المقاومة أو، أقلّه، مساندة «إسرائيل» على نحوٍ وازن ومؤثّر.
يرى البعض، شأني في هذا المجال، استحالة لجوء «إسرائيل» إلى «الحرب الكبرى» ضدّ أطراف محور المقاومة ما لم تضمن مشاركة الولايات المتحدة أو مساندتها القوية لها سياسياً وعسكرياً، إلاّ في حالة واحدة شديدة الاستثناء هي جنوح قيادة «إسرائيل»، لأسباب خطيرة وماثلة ويصعب تجاوزها، الى استخدام «السلاح الأخير»، أيّ السلاح النووي، بدعوى تفادي «هولوكست» هائل يعقب انهياراً وشيكاً لكيانها نتيجةَ هجومٍ صاعق لقوى محور المقاومة.
ما الموقف الأرجح لمحور المقاومة إزاء الاحتمالات السالفة الذكر؟
يستشفُّ المراقب الحصيف مما قاله السيد نصرالله جواباً عن أسئلة دقيقة ومحرجة طرحها محاوره سامي كليب أنّ قوى محور المقاومة تمتلك قدرات وازنة، عسكرياً وتكنولوجياً، وأنّ بإمكانها الردّ باقتدار على «الحرب الكبرى» التي تشنّها «إسرائيل»، وذلك لتوافر شرطين لديها من الشروط الثلاثة المنوّه بها آنفاً: الأول الأسلحة الكاسرة للتوازن والثاني اختلال موازين القوى لمصلحتها عاجلاً او آجلاً إلا أنها قد تتردّد في توسيع دائرة الاشتباك مع العدو في حال مشاركة الولايات المتحدة في «الحرب الكبرى» أو مساندتها الوازنة له. ومع ذلك فإنّ أطراف محور المقاومة قد تُقدم على الردّ بقوة في حال امتلاكها أحد أسلحة الدمار الشامل، أقلّه الأسلحة الكيميائية أو الأسلحة البيولوجية. ذلك أنّها تستطيع باستعمالها تعويض النقص في السلاح النووي الذي يمتلكه العدو وقد يستعمله. كيف؟ بالقوة النارية المتعاظمة لسلاح الدمار الشامل الكيميائي او البيولوجي وبالصواريخ الموجّهة وغير الموجّهة التي تمتلك منها مئات الآلاف وتستطيع إطلاقها من قواعد قريبة في محيط «إسرائيل» الجغرافي.
يبقى أنه يقتضي، في هذه الحالة، وجود قدرة وازنة لدى أطراف محور المقاومة على تصنيع أسلحة الدمار الشامل، وعلى إشعار العدو بوجودها توخياً لتفعيل عامل الردع، كما على إشعاره بالإرادة الحاسمة لاستعمالها بلا تردّد، إذا ما استدعى الخطر والضرورة القصوى ذلك.