عشية رأس السنة الجديدة أقدم المسلحون في المناطق التي يسيطرون عليها في الغوطة الشرقية على شنّ هجوم كبير على إدارة المركبات التابعة للجيش السوري في مدينة حرستا الملاصقة لأحياء الغوطة وتمكّنوا من السيطرة على العديد من الأبنية فيها ومحاصرة حامية الجيش فيها، وقد لوحظ أنّ جميع الجماعات المسلحة قد شاركت في الهجوم من جبهة النصرة وفيلق الرحمن إلى جيش الإسلام. وكان واضحاً أنّ هذه الجماعات المختلفة في ما بينها ما كانت لتشارك مجتمعة في هذا الهجوم لولا وجود توجيه خارجي من الدول الداعمة لها وتحديداً السعودية والولايات المتحدة الاميركية. لا سيما أنّ الهجوم يشكل خرقاً لاتفاق خفض التصعيد الذي يشمل أربع مناطق في سورية بينها الغوطة الشرقية حيث انخرط «جيش الإسلام» في الاتفاق ولعبت مصر دور الوساطة في إنجاز هذا الاتفاق نيابة عن السعودية التي تدعم «جيش الإسلام». وعلى الرغم من أنّ واشنطن والرياض تعرفان جيداً أنّ ميزان القوى ليس في مصلحة المسلحين وانّ الهجوم قد يؤدّي إلى نسف اتفاق خفض التصعيد ودفع الجيش السوري وحلفائه إلى شنّ هجوم شامل على مناطق سيطرة المسلحين في الغوطة الشرقية المحاصرة من جميع الاتجاهات لإنهاء وجودهم وإراحة سكان العاصمة من تعرّضهم لقذائف المسلحين الغادرة بين الفينة والأخرى، إلا أنهما دفعا المسلحين إلى القيام بمثل هذا الهجوم والمغامرة بآخر ورقة لديهم في ريف دمشق الشرقي وذلك بهدف محاولة تحقيق عدة أهداف…
ـ الهدف الأوّل: تعطيل محادثات سوتشي التي ستعقد بحضور بعض أطراف المعارضة التي لها وجود مسلح في مناطق خفض التصعيد في محافظتي إدلب ودرعا، وبرعاية روسية إيرانية تركية، وهو ما يشكل بديلاً عن مسار جنيف الذي أفشلته واشنطن والرياض عبر الجماعات الموالية لها. وبالتالي السعي إلى القول إنه لا يمكن للحلّ في سورية أن يرى النور من دون موافقتهما المقرونة بالاستجابة لشروطهما المسبقة الهادفة إلى التدخل في سيادة واستقلالية القرار الوطني السوري عبر فرض وجود الجماعات الموالية والتابعة لهما في داخل السلطة التنفيذية وإعطاء هذه السلطة صلاحيات تمكنها من فرض نفوذها وتعزيز دورها قبل إجراء الانتخابات التشريعية التي تصرّ سورية على أنها هي التي يقرّر من خلالها الشعب السوري من يمثله في البرلمان وبالتالي في السلطة التنفيذية.
ـ الهدف الثاني: سيطرة المسلحين على إدارة المركبات والقضاء على قوة الجيش السوري فيها واعتقال ضباط وجنود وأخذهم رهائن ومن ثم الوصول إلى اوتوستراد دمشق حمص وقطع الطريق، وبالتالي الاقتراب أكثر من محيط العاصمة والعودة إلى إثارة القلق لدى السكان وتهديد الاستقرار في العاصمة.
ـ الهدف الثالث: إحداث تغيير في الوضع الميداني لمصلحة المسلحين وتمكنهم من استعادة زمام المبادرة، واستطراداً رفع معنويات المسلحين المنهارة في جميع المناطق وتبديد مناخات الإحباط واليأس التي باتت تسود صفوفهم من القدرة على الاستمرار في القتال والصمود في مواجهة هجمات الجيش السوري وحلفائه، بعد الهزائم الكبيرة التي لحقت بهم.
لكن هل تحققت هذه الأهداف؟
كلّ مَن تابع وراقب التطوّرات في الأيام الأربعة الماضية يلحظ أنّ هجوم المسلحين الذي نجح في البداية في تحقيق تقدّم والسيطرة على العديد من الأبنية في إدارة المركبات ومحيطها سرعان ما تبدّدت نتائجه الأولى وتوقف أمام صمود قوة الجيش التي حوصرت في بعض الأبنية، ثم حصل التحوّل المعاكس بشنّ الجيش السوري هجوماً معاكساً أدّى إلى استعادة كامل المنطقة التي سيطر عليها المسلحون، الذين أصيبوا بخسائر كبيرة في صفوفهم في حين توسّع الجيش في سيطرته في حرستا وقرّر مواصلة هجومه على غرار ما حصل سابقاً بعد هجوم المسلحين على كراجات العباسيين، وقد أدّى هذا التطوّر الميداني إلى تبديد آمال المسلحين والدول الداعمة لهم في تحقيق أهدافهم الميدانية والسياسية، وإعطاء المبرّر للجيش العربي السوري والحلفاء لعدم الاستمرار في التزام اتفاق خفض التصعيد ومواصلة الهجوم لإنهاء وجود المسلحين في الغوطة لا سيما أنّ الجيش بعد الإنجازات الكبيرة التي حققها في شرق ووسط سورية وصولاً إلى الحدود مع العراق وفي الريف الغربي للعاصمة المحاذي مع الجولان المحتلّ والذي أنهى الحزام الأمني الذي سعى لإقامته العدو الصهيوني في المنطقة، قد مكّن القيادة العسكرية من توفير القوات الكافية لشنّ هجوم واسع لاستعادة مناطق الغوطة الشرقية وإنهاء هذا الخطر الإرهابي في خاصرة العاصمة السورية وبالتالي وضع حدّ لابتزاز المسلحين والدول الداعمة لهم وإلحاق الهزيمة بهم وبمخططاتهم وتسريع، ليس فقط إنجاز الحسم العسكري فيما تبقى من مناطق يسيطر عليها المسلحون، بل وأيضاً إنجاح مسار سوتشي وإحباط محاولة تعطيله من قبل واشنطن والرياض.
ومن دون شك فإنّ هذا الفشل الجديد للمسلحين سوف ينعكس في زيادة انهيار معنوياتهم وزعزعة صفوفهم وتبادل الاتهامات في ما بينهم بالمسؤولية عن الفشل، وهو ما حصل وتناقلته وسائل الاعلام، واستطراداً تكريس مناخ اليأس وسط المسلحين وفقدان ايّ أمل لديهم في القدرة على الصمود في مواجهة الجيش السوري والحلفاء، إلى جانب فقدان الأمل من أيّ دعم خارجي ينقذهم من الهزيمة المحتومة، ولهذا فإنّ احتمال أن نشهد في الغوطة الشرقية مساراً مشابهاً لما حصل من استسلام للإرهابيين من جبهة النصرة في مناطق بيت جن ومزرعة بيت جن والتلال والمناطق المحيطة على حدود الجولان المحتلّ، بعد هجوم للجيش وإحكام الحصار عليهم وامتناع العدو الصهيوني عن تقديم المساعدة لهم كما كان يفعل في السابق.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إننا أمام تحوّل، لا رجعة فيه، في ميزان القوى الميداني لصالح الجيش السوري والحلفاء وتسريع في وتيرة تحرير ما تبقى من مناطق سورية من رجس الإرهابيين، وهو ما يظهر أيضاً من خلال التقدّم السريع في ريف إدلب الشرقي الجنوبي واقتراب الجيش من مطار ابو الظهور، للدخول بعد ذلك في عملية فك الحصار عن مدينتي الفوعة وكفريا وتحرير مدينتي إدلب وجسر الشغور.