– عندما تنشر المواقع «الإسرائيلية» سلسلة مقالات كان أبزرها ما نشرته صحيفة «معاريف» على صفحتها الأولى قبل يومين عن مخاطر ترك الجيش السوري وحلفائه يواصلون التقدّم في الشمال، والحاجة لفعل شيء يوقف هذا التقدّم، لأنه سيغيّر الستاتيكو السائد والمطلوب استمراره، لتكون المعادلة الحاكمة لصراعات المنطقة، قبول تسوية للقضية الفلسطينية تلتزم القدس عاصمة لـ«إسرائيل» أو فلا تسويات أخرى ولا حلول، يصير مفهوماً معنى الغارة والصواريخ «الإسرائيلية» على منطقة القطيفة السورية ولو تمّ ربطها بالحديث عن مستودعات سلاح للمقاومة.
– يتزامن كلام «معاريف» مع ما نشره موقع «دبكا» العبري التابع للمخابرات «الإسرائيلية»، عما وصفه بالمعلومات الخاصة حول وجود تفاهم أميركي سعودي بدأ منذ زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان لمدينة الرقة السورية برفقة المبعوث الرئاسي الأميركي الجنرال بريث ماكغورك، وموضوعه تغطية قيام كيان انفصالي بعنوان «دولة سنية عربية كردية» شمال سورية، والتحذير من أنّ سورية وإيران بدعم روسي لن تتركا الرقة بعد الانتهاء من إدلب، وعندها ماذا سيحلّ بتحذيرات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس من تقدّم سوري نحو وادي الفرات، مقابل تحذير المستشار السياسي لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أكبر ولايتي، من أنّ الرقة بعد إدلب؟
– تأتي الغارات والصواريخ «الإسرائيلية» ترجمة لهذه التحذيرات، كما تأتي التهديدات التركية التي بلغت حدّ التلويح بإعلان الخروج من مسار أستانة إذا تواصل التقدّم السوري في إدلب، واستدعاء السفيرين الروسي والإيراني لإبلاغهما انزعاج تركيا مما يحدث شمال سورية، والهدف واحد، ومرسوم في واشنطن، ومثله الهدف من التصعيد الأعمى للنيران السعودية في اليمن، رسم معادلة ردع سياسية قوامها، لا تسويات من دون تسوية تلتزم القدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وشرط تثبيت هذه المعادلة إسقاط كلّ إمكانية لحسم الملفات العالقة بانتظار التسويات ليصير الانتظار عامل الضغط الحاسم.
– معادلة أنصار الله التي تضع الملاحة في البحر الأحمر في كفّة موازية للتصعيد السعودي كما التقدّم السوري نحو إدلب يشكّلان جناحَيْ الردع المعاكس الذي يترجمه محور المقاومة في الميدان، وعنوانه، لا انتظار للتسويات، ومَنْ يريد التسوية فليلحق بها قبل أن يقول الميدان حقائق جديدة أشدّ قسوة، كي تبقى القدس وحدَها عنوان المواجهة المفتوحة، حيث الشعب والمقاومة في فلسطين مقابل الاحتلال، وحيث لا تفاوض ولا تسويات قبل إسقاط كلّ ما يتصل بتهويد القدس.
– يبلغ التصعيد بين معادلتي الردع نقطة الذروة، وتعبّر الغارات «الإسرائيلية» والردّ السوري بإسقاط طائرة «إسرائيلية» عن ذلك بوضوح، كما يعبّر التحذير اليمني من إغلاق الملاحة في البحر الأحمر، وكما يعبّر أكثر التلويح التركي بالخروج من أستانة، وهذا يعني أنّ تراجع أحد الفريقين وحده يمنع المزيد من التصعيد، والأكيد وفقاً للمعلومات الثابتة أنّ محور المقاومة لم يُقدِم على خطواته بصورة غير محسوبة، بل أرادها لبلوغ هذه النقطة وفرض الخيارات الصعبة على المحور المقابل، الثلاثي «الإسرائيلي» السعودي الأميركي، ومعه التركي الموعود بحصة من كعكة المنطقة مجدّداً، إذا تولى ملف المناورة بقضية القدس، والتلاعب بموقعه في سورية، وخطة محور المقاومة ستظهر نتائجها في أنقرة أولاً بتراجع جديد يبلع الموس مجدّداً، كما بعد تحرير حلب، أمام أمر واقع حاسم في إدلب، لا يزال هو الأصل والكلمة الفصل.
– إنْ ذهبوا للمواجهة فمحور المقاومة جاهز ومستعدّ، وإنْ تراجعوا عن المواجهة، فهي بداية تراجعات ستفرضها مواجهات لاحقة مماثلة، وقد تبخّرت أحلام المراهنات على أحداث إيران، وإلا لو صدّقوا كلامهم لمنحوه بعض الوقت.