صدرت كتابات كثيرة في تاريخ البشريّة. لا يوجد بينها ككلمة الله. فهي فريدة بقوتها. فلا كتب الفلسفة بأسئلتها اللا متناهية، ولا كتب الآداب بجماليّاتها، ولا كتب العلوم بطروحاتها وبخُلاصاتها، تقدر أن تفعل ما تفعله كلمة الله في حياة البشر. فهذه الكلمة فيها من الحقّ والحياة والتأثير والسلطة على قلوب الناس ما لم تتميّز به كتب أُخرى. صمدت كلمة الله عبر التاريخ لكونها تخلو من عناصر الأساطير الملفّقة التي ميّزت الكثير من الكتابات القديمة. قال يسوع عنها: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول".
وكلمة الله فعّالة ومفيدة وما زالت تُحاكي الواقع ولم يعفُ عنها الزمن. هي كمبضع حادّ يُمسكه الله بيمينه وينخر فيه القلب البشريّ وميوله وأسراره فيُحدّد عِلَلَهُ وخطاياه ويستأصلها لشفائه. لا شيء يتعامل مع دوافع القلب وخطاياه من كذب وغشّ وشهوة وقلّة أخلاق وزنى وخيانة وسرقة وحقد وقتل ككلمة الله.
غريب أن الناس لا يعرفون كلمة الله ولا يتعاملون معها باحترام وبجديّة وبإيمان. الناس لا يصرفون الوقت في التأمّل بها، ولا يأتون إليها إلّا في ضيقهم ولفترات محدودة. يا ليت الناس يُقبِلون إلى كلمة الله ليختبروا بركاتها في حياتهم. إنهم يُفضّلون "القيل والقال" على قراءة أقوال الله والتأمّل بها. عجيب كيف أن كثيرون - مِمّن يُسمّون حالهم مسيحيّين - لا يعرفونها ولا يستكشفونها ولا يعيشونها. تذكّر أن "الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله".
أما كلمة الله فلم يتركها أحد من رجالات الله وقدّيسيه في التاريخ. هؤلاء لازموها إذ وجدوا فيها خلاصهم فغيّرتهم وصاروا أنقياء ومُحصّنين ومنتصرين وفهماء ومقتدرين في فعل الصلاح. هؤلاء لم يصيروا شيئًا لولاها، فهُم لم يسمعوها فقط بل عملوا بها. هناك فرق بين من يكتفي بالإطلاع على كلمة الله ومن يتمسّك بها لحياته. الإنتصار على التجارب لا يأتي إلّا "بسيف الرّوح الذي هو كلمة الله". والنجاح في خدمة النفوس لا يصير إلّا بكلمة الخلاص. وحفظ الناس من الضياع والضلال والسقوط في حُفر الحياة لا يتمّ إلّا بنور كلمة الحياة.
من عرف كلمة الله، عرف الحقّ ونال الحريّة الحقيقيّة. ففي كلمة الله نور كافٍ للعقل يطرد الأوهام والأضاليل ويُثبّت الفكر على أركان سليمة ومتينة. طوبى لمن يقرأ نبوّة الكتاب ولمن يحفظها في حياته. هذا يتعقّل أكثر من كلّ معلّميه ويصير مقصدًا لطلب الحكمة من فمه. من تسلّطت كلمة الله على ضميره وذهنه وحياته مشى نحو الكمال وصار نافعًا لخدمة السيّد. من امتلكته كلمة الله هزم المُجرّب وارتاح منه. من حَكَمَته كلمة الله تبارك في دخوله وخروجه وقيامه وجلوسه وأكرمه الله في عمله وبيته ونسله.
من سكنته كلمة الله هَذّبَت روحه وسَمَت بها لعبادة روحيّة تدخل قدس الأقداس. العبادة بالروح والحقّ هي عبادة بحسب انجيل يسوع المسيح. العبادة المقبولة عند الله هي تلك الّتي تُغنيها كلمات الروح ويرفعها المؤمن باسم المسيح - كلمة الله – وبشفاعته. لا شيء يخاطب قلب الآب ويُحرّكه سوى عابد مملوء من كلمات الرّوح الإلهيّ. وحدها هذه الكلمات تخترق حجاب السماء الفاصل وتدخل أذن الآب وتلذّ لقلبه. ما أعذب كلمة الله وما أقواها. يا ترى إلى أين نذهب وكلام الحياة الأبديّة عند يسوع؟