للمرة الأولى منذ شهر تموز 2016، تاريخ إعلان زعيم جبهة "النصرة" الإرهابية أبو محمد الجولاني عن فك إرتباطه مع تنظيم "القاعدة"، أعلن الأخير بشكل رسمي عن تواجده في سوريا من جديد، من خلال رسالة وجهها إلى أنصاره تحت عنوان "وكان حقّ علينا نصر المؤمنين"، يدعوهم فيها إلى التعاون مع "المجاهدين الصادقين" وعدم التعدّي على أي فصيل أو مجموعة، في مؤشر لما يمكن أن تحمله معها التطورات التي تشهدها الساحة السورية في المرحلة المقبلة.
وفي حين تأتي هذه الخطوة بعد خلافات شديدة بين قيادات محسوبة على "القاعدة" من جهة، مثل "أبو همام السوري" والأردنيين سامي العريدي و"أبو جليبيب"، وقيادة هيئة "تحرير الشام" التي يتزعمها الجولاني من جهة ثانية، خصوصاً بعد أن أقدمت الأخيرة، في وقت سابق، على إعتقال تلك القيادات لبعض الأيام، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن إعلان "القاعدة" عن تواجدها في سوريا بهذا الشكل أمر تُطرح حوله العديد من علامات الإستفهام، لا سيما على مستوى علاقتها مع الهيئة.
من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن أن يكون هذا الإعلان قد تم من دون تنسيق مع "تحرير الشام"، نظراً إلى أن الأخيرة ما كانت لتفرج عن القيادات التي اعتقلتها سابقاً لو لم تحصل على ضمانات بعدم العمل ضدها، طالما أنها منذ البداية تشعر بالخطر على نفوذها منها، وتشير إلى أن الهدف قد يكون التحالف بينهما في المستقبل، لا سيما بعد فشل مشروع "فك الإرتباط" في تحقيق الأهداف المرجوة منه، لناحية إبقاء الهيئة بعيدة عن دائرة الإستهداف بوصفها منظمة إرهابية، خصوصاً بعد أن أعلن الجانب الروسي أن الهدف اليوم هو القضاء عليها، بعد الهزائم الكبيرة التي تعرض لها تنظيم "داعش" الإرهابي على مدى أشهر العام 2017، في حين أن موقف التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، واضح على هذا الصعيد، وتم التعبير عنه في أكثر من مناسبة.
وتشير هذه المصادر إلى أن ما تضمنه بيان الإعلان عن تواجد "القاعدة" في سوريا يمكن أن يشكل مؤشراً على هذا الصعيد، لناحية الدعوة إلى عدم التعدي على أي فصيل أو مجموعة، حيث يُفهم من هذا الكلام أنها تعطي "تحرير الشام" وعداً علنياً بهذا الأمر، مقابل أن لا تقوم الأخيرة بالإعتداء، وتلفت إلى أن مسرح العمليات المشتركة بين الجانبين هو الساحة الإدلبية التي يسعى الجيش السوري إلى إستعادة السيطرة على أجزاء كبيرة منها، بالرغم من أنها كانت موضوعة ضمن دائرة المناطق الخاضعة لإتفاق خفض التعصيد بموجب الإتفاقات التي حصلت في الآستانة.
وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى أن "القاعدة"، على عكس "تحرير الشام"، تريد أن تتبنى منهجاً في العمل، بناء على تعليمات الظواهري، يقوم على مبدأ عدم السيطرة على أي رقعة جغرافية والإعتماد على حرب العصابات، من خلال توجيه ضربات خاطفة ومن ثم العودة إلى الإختباء من جديد لتخفيف القدرة على الإستهداف والملاحقة الأمنية، نظراً إلى أن الأحداث السورية أثبتت أن الخيار الآخر لم يكن مجدياً، بسبب الأعباء التي تترتب على كاهل التنظيم جرّاء ذلك، سواء لناحية الإدارة أو الحكم وتأمين مستلزمات الحماية والحياة للمدنيين، بالإضافة إلى أن تواجده في أماكن ذات كثافة سكنية قد يكون له تداعيات عكسية، من خلال الضغط عليه عبر هذه الورقة أو إمكانية إختراقه من قبل أشخاص يتعاونون مع أعدائه، توضح أن الجولاني يستفيد من هذا الواقع عبر تجمع الشخصيات التي تشكل خطراً عليه في كيان واحد، ما يسهل القضاء عليها في حال عادت الخلافات من جديد، وفي الحصول منها على ضمانة بعدم العمل ضده في ظل الظروف الصعبة التي يتعرض لها.
في المحصلة، الأيام المقبلة ستكون كفيلة في كشف التداعيات التي ستترتب على إعلان قيادة "القاعدة" عن تواجدها بشكل رسمي في الساحة السورية من جديد، لا سيما على مستوى العلاقة مع باقي مجموعات المعارضة المسلحة، لكن اللافت هو عدم إعلان التنظيم عن إسم التنظيم ولا قائده، فهل يكون حمزة بن لادن؟.