شكل دحض كتلة المستقبل عقدها تحالفات تصل الى حدّ كونها خماسية، اي يعني مع كل من حزب الله والتيار الوطني الحرّ بداية العودة الى موقع جديد، بعيد ازمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وما نتج عنها من تداعيات، جعلته تحت جناح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، واقرب عاطفياً الى حزب الله من السعودية.
اذ بعد ان كانت سياسات رئيس المستقبل ناتجة عن «الأزمة الصعبة «التي يمر بها وأوصلت الأمور الى ما وصلت اليه في الرياض، حيث بدا أيضاً أن الطائفة السنية بسياسييها ورجال الدين داخلها باتت الى جانبه، وعلى مسافة بعيدة من السعودية بدأت الأمور تأخذ منحاً جديداً اثر ظهور إشارات سعودية عكسها تحرّك السفير وليد اليعقوب في اتجاه أركان آخرين في الطائفة السنية، في موازاة تفعيل التواصل السعودي مع دار الإفتاء وعدد من المشايخ المناطقيين الذين سيزورون السعودية في المدى القريب. فقد بدا واضحاً للمراقبين بأن تحركات اليعقوب دلّت على أن السعودية موجودة على الساحة اللبنانية وفي معادلتها ودخلت على خطّ طمأنة الطائفة السنية عبر «مفاتيحها»، بأنها الى جانبها، وتشكّل ضمانة لها، بحيث لا تعود هذه الطائفة مرتبطة بقرار وحيد قادر أن يحدو بها وفق ما يجده يتلائم مع تطلعاته، بحيث ستكون لهذه الطائفة لامركزية جديدة، تدور في الفلك السعودي كما كان الأمر سابقاً.
ويترافق الإهتمام السعودي بالطائفة السنية مع كلام يسمعه كل من الحريري وغيره من أركان في هذه الطائفة، وكذلك الحلفاء المسيحيون للسعودية، وهو يتوزّع من جهة بين رغبة الرياض بأن يتحالف الحريري مع أصدقاء المصير في قوى 14 آذار من حزبيّين ومستقلين، والإبتعاد عن التحالف مع حزب الله والتيار الوطني الحرّ لعدم تعزيز موقع هؤلاء، وحيازتهم على عدد وازن من النواب، ومن جهة أخرى بأن يكون لديها وجهة نظر وليس حق «الفيتو» على تحالفات معيّنة، لكي لا تضم صفوف حلفاء السعودية من تصحّ تسميتهم بـ«حصان طروادة»، ويكون عندها ثمة محور متين ويحمل خياراً سياساً ثابتا، وصلابة في المواقف، بعيداً عن اي مصالح او حسابات خاصة. فما يهم السعودية هو استقرار لبنان امنيا وسياسيا وعدم سقوط الدولة التي دعمتها منذ ولادتها ،ولذلك تتطلع الى نتائج الانتخابات النيابية التي يجزم الحريري بانها لن تكون لصالح محور الممانعة وانه سيحوذ على الغالبية مع حلفائه... وهي لن تتدخل معه في التفاصيل والحراك اليومي استدراكا من ان يعتبر هذا الاهتمام بمثابة. ضغط عليه ويبرر اي نتيجة سلبية لاحقا بتحميل المسؤولية للقيادة السعودية التي يتواصل معها ولا يمكن إدراج الإهتمام السعودي بالطائفة السنيّة بمثابة تطويق الحريري، او سحب «البساط» من تحته، ليتحوّل الى زعيم دون قاعدة، بل تريد الرياض أن يأخذ رئيس المستقبل بعين الإعتبار هواجس وتطلعات أبناء الطائفة في هذه المرحلة، وليس التحول نحو التفاهمات او التماهي مع عدد من القوى على حساب مشاعر وتاريخ هذه الطائفة نتيجة قراءات وتطلعات تجاه السعودية بيّنت على أنها في غير مكانها، خصوصا أن المنطقة أمام تحوّلات قد تظهرها نتائج حرب اليمن، عدا أن التحالفات السعودية الإسلامية العربية مع الولايات المتحدة الأميركية ستدلّ أن الأمور تسلك الخط الذي تشكل الرياض دوراً محورياً في قراره، وان ثمة تطورات اقليمية حصلت مؤخراً، وما شهدته ايران أيضاً، يسلك منحى إيجابياً لصالح التحالف الدولي العربي الجديد.
فلن تقبل السعودية ان توافق على تسوية رئاسية وفق قاعدة توازن بين القوى ثم يتحول الامر الى انحسار دور حلفائها إراديا وعدم السعي لتحقيق الحد الأدنى من قواعد الاتفاق ويتعطل دور رئاسة الحكومة الشريك في هذه التسوية.
لكن الكلام في محور الممانعة يدلّ على ثقة بأن الحريري لن يعدّل في خياره السياسي، ويكفي أن يبقى حليف رئيس الجمهورية، ومؤيداً لسياساته ليعتبر فريق 8 آذار، بأنه لا يزال في موقع المنتصر، لأن عودة الحريري الى الحضن السعودي على ما يتوقع المراقبون هو أمر مستبعد، وان حزب الله حتى حينه حقق إنتصاراً مزدوجاً، يتمثل الأول بإنتخاب حليفه عون رئيساً للجمهورية، والثاني بتحوّل الحريري نحو التمسك بالإستقرار، وتجاوزه عدة محطات تفجيرية نتيجة مطالب دوليّة او عربية.
وتتابع الاوساط بان الحريري لن يعيد تجربة ربط مصيره بالسعودية وولي العهد محمد بن سلمان كما سمعت منه بانه بات يملك هامشا واسعا من العلاقات الجديدة بعيد أزمته الاخيرة جعلته في موقع قوي ،لانه يمثل حاجة الى لبنان الذي بقي في حالة ترقب حتى تراجعه عن استقالته، بما يعني ان وجوده في رئاسة الحكومة هو مفتاح الاستقرار المطلوب دوليا، وان الحريري قد تفهم بان الغالبية لن تأتي به رئيس حكومة بل حسن العلاقة مع كل من عون وحزب الله ،لانه تم اسقاط حكومته سابقا وبقي خارج السلطة الى ان عاد اليها بالتفاهم مع عون والتنسيق مع حزب الله على مواقفه السياسية.