في السياسة لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل مصالح تحكم علاقات مكوّنات السلطة. ليست العلاقة على ما يُرام بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري، علماً أن الرجلين تميّزا بودّ كبير في الفترة التي سبقت دعم رئيس تيار المستقبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً. لكن منذ تاريخ 20/10/2016 بدأت الأجواء تتلبّد أحياناً لتعود إلى صفائها المعهود وفق ما تقتضيه الظروف.
عندما قال الرئيس بري إنه مع الحريري ظالماً كان أم مظلوماً، لم يكن يعلم أن كفة بيت الوسط عند أول اختبار ستميل إلى بعبدا على حساب عين التينة. فرئيس حركة أمل، أسوة بكثيرين من المعنيين كان يظنّ أن الحريري لا يمكن أن يبني تفاهماً أو تحالفاً سياسياً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاعتبارات لا تُحصى، بيد أن الثابت الوحيد راهناً أن رئيس الحكومة لن ينخرط في أيّ محور قد ينشأ في وجه رئيس الجمهورية.
أثبتت العكس، مشاورات تشكيل حكومة استعادة الثقة وما شابها من جفاء واتهامات بين عين التينة وبيت الوسط على خلفية تقاسم الحقائب مروراً بملف السلسلة وفصلها عن الموازنة ودرسها بشكل مستقل (المستقبل كان مؤيداً لموقف التيار البرتقالي مقابل إصرار الحركة على عدم الفصل)، فمشاورات قانون الانتخابات وصولاً الى ملف الكهرباء والبواخر. مردّ ذلك تنسيق الحريري مع الرئيس عون في الملفات الداخلية مقابل ابتعاد بيت الوسط نسبياً عن عين التينة. الأمر الذي كرّس، بحسب أوساط سياسية، انقساماً بين حركة أمل وتيار المستقبل بعيداً عن الأضواء سرعان ما خرج الى العلن، رغم تأكيد الحريري دوماً أفضلَ العلاقات مع رئيس المجلس النيابي، وإشارته إلى أن الخلافات التي تحصل أحياناً لم ولن تؤدي الى خلافات جذرية.
واذا كان الرئيس بري نجح في رعايته "جَمْعة صلح" في كليمنصو بين الحريري والنائب وليد جنبلاط في تشرين الاول الماضي، فإنه بات يحتاج الى "شيخ" يصلح بينه وبين رئيس الحكومة.
وبحسب ما يؤكد مصدر نيابي في "التحرير والتنمية" فإن بري مستاء من الحريري. بالنسبة إليه الشيخ سعد هو طرف في خلق أزمة مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة العام 1994 وليس مؤهلاً أن يلعب دور الوساطة، علماً أنه لم يطرق باب عين التينة حتى الساعة، لأنه على قناعة في أن أيّ حل لن يبصر النور إلا بتوقيع وزير المال علي حسن خليل، وهذا الشرط لا يحظى بموافقة رئيس الجمهورية.
ليست المرة الأولى التي يطعن فيها الحريري الرئيس بري، تؤكد المصادر نفسها لـ "البناء"، لا سيما ان الحريري تعهّد لـ "الاستاذ" أن لا يوقع "مرسوم الاقدمية"، لكنه ما لبث أن تراجع عن وعده، كما فعل عشية جلسة التمديد للمجلس النيابي في منتصف أيار الماضي قبل الموافقة على قانون الانتخاب الجديد، إذ تعهّد بحضور جلسة التمديد ليعود ويتراجع عن هذا التعهّد.
لقد أكد رئيس اللقاء الديمقراطي أمس، أن "لا لزوم لمرسوم الترقية، وأما وقد خرج المرسوم فلا لزوم لعزل رئيس مجلس النواب"، لافتاً إلى أن "برّي أرسل له مشروع حلّ مع النائب وائل أبو فاعور وهو سيقدّمه للحريري، وإذا وافق كان به".
إن مشروع الحل، كما يقول جنبلاط، هو لإعادة الأمور إلى دستوريتها". وبحسب زوار عين التينة، فإن الرئيس برّي يرى أن المرسوم تشوبه مخالفة لجهة المعايير التي اعتُمدت في إصدار منح الأقدمية إلى 190 ضابطاً، بينما تمّ استثناء 10 ضباط من الدورة نفسها والطائفة ذاتها، لأن الموضوع يحتاج إلى توقيع وزير الداخلية، لكنّه في الوقت نفسه مستعدّ أن "يطنّش" على المخالفة السابقة الذكر من أجل المصلحة العامة شرط أن يحمل المرسوم توقيع وزير المال، ومَن يريد أن يتعنّت بموقفه فليتحمّل المسؤولية. في المقابل ترى مصادر تيار المستقبل لـ "البناء" أن ردة فعل الرئيس بري حيال المرسوم سببها قلق عين التينة من إعادة إحياء الثنائية المسيحية - السنية التي حكمت لبنان من العام 1943 إلى العام 1975 وتحجيم الطائفة الشيعية، علماً أن هذه الثنائية غير قابلة للتطبيق لأسباب شتّى، الرئيس بري أكثر مَن يعرفها.