اللافت في المعارك الدائرة في سورية مؤخراً، هو الهجوم الذي شنّه مسلحو "فيلق الرحمن" و"جبهة النصرة" و"أحرار الشام" على منطقة إدارة المركبات في حرستا في الغوطة الشرقية، بالتزامن
مع الهجوم الذي ينفذه الجيش العربي السوري في ريف إدلب الجنوبي انطلاقاً من ريف حماه الشمالي، وذلك من دون أي سبب ميداني ضاغط يدفعهم لفتح تلك المعركة في الغوطة الشرقية، والتي بقيت في المدة الأخيرة هادئة ومتقيدة إلى حد ما باتفاق خفض التصعيد.
تميّزت معركة المسلحين في مهاجمة إدارة المركبات بأسلوبهم المعتاد في القتال، والقاضي بتقدُّم الهجوم سيارات مفخخة يقودها انتحاريون، ثم الانغماسيون الذين يُحدثون الخرق الأول بعد انفجار المفخخات، ويتم الاقتحام بواسطة العدد الأكبر من المسلحين، وقد تمكّنوا للوهلة الأولى في ذلك من إرباك المواطنين في العاصمة، وفي الوقت نفسه تمكّنوا بداية الأمر من فرض ضغط ليس سهلاً، برأي مصادر سياسية سورية.
أما في ريف إدلب الجنوبي، فيتقدم الجيش العربي السوري مدعوماً من حلفائه في محور المقاومة في الريف الجنوبي لإدلب بطريقة صاعقة، ومسنوداً بدعم جوي روسي وسوري مركّز، وسيطر حتى الآن على عشرات البلدات التي كانت معقلاًأساسياً لـ"جبهة النصرة"، ويبدو أنه على الطريق لتحرير مطار وبلدة أبو الضهور الاستراتيجي، الأمر الذي سيضعه في موقع متقدم في عمق إدلب.
إن محاولة إسقاط الهدنة من قبل المسلحين، وبالتالي نسف اتفاق خفض التصعيد كان بأمر من تركيا،لاستيائها من تقدُّم الجيش العربي السوري في إدلب،حيث اعتبر الأتراك ذلك محاولة لانتزاع قدرتهم في التأثير على "النصرة"، وبالتالي على المسلحين.
محاولة انتزاع ميدان هام من سيطرة الجيش العربي السوري، وبالتالي انتزاع أكثر من نقطة،إيجابية امتلكها مؤخراً كان سيستعملها في المفاوضات المرتقبة بين استانة أو جنيف أو سوتشي، وحيث بدا الجيش السوري منتصراً وفارضاً نفسه على الصعيد الإقليمي والدولي مؤخراً، بعد سيطرته الواسعة في الشرق، وبعد هزيمته "داعش" بشكل شبه كامل، رأى المسلحون وداعموهم أنه في معركة حرستا - والوحيدة المتوفرة لهم حالياً كما يبدو،إذ إن الجيش أصبح يمتلك المبادرة على أغلب الجبهات تقريباً - سينتزعون منه تلك النقاط، وسيتم إجباره على خوض المفاوضات مع تراجع ميداني مهم، لأن أمن العاصمة بالنسبة للجيش حساس، خصوصاًأن عدداً كبيراً من المدنيين سيصبحون مهددين، كما أن طريق دمشق - حمص ستتأثر أمنياً وتصبح خطرة.
وهكذا في النهاية، فرض الجيش العربي السوري وحلفاؤه أنفسهم في المعركتين، وتمّت استعادة كافة النقاط التي سيطر عليها المسلحون في محيط ادارة المركبات، وها هم اليوم يفرضون معادلة ميدانية جديدية في ريف إدلب، لن يكون بعدها مثل قبلها من الناحية الميدانية، وأيضاً من الناحية السياسية، وحتى الاستراتيجية.