هي سابقة أن يصر رئيس المجلس النيابي نبيه بري على رفض اعطاء رئيس الحكومة سعد الحريري موعدا لبحث أزمة مرسوم ضباط دورة 1994. كما هي سابقة أيضا أن يلجأ بري الى رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط ليلعب دور الوسيط بينه وبين بيت الوسط من جهة وبينه وبين بعبدا من جهة أخرى. سابقتان تؤشران الى مستوى الاستياء المتنامي في "عين التينة" من موقف الحريري من أزمة المرسوم، وهو ما بات معلنا وغير خفي، بخلاف الاستياء الذي لا يزال بعيدا عن الأضواء من موقف حزب الله. فرئيس المجلس النيابي وان كان يتفهم حرص الحزب الدائم على عون والذي وصل به الى حد مؤازرته في معركته الرئاسية طوال عامين ونصف، الا انّه لا يتقبل استمرار صمت الحزب في التعامل مع قضية يعتبرها "ميثاقية وتمس المواد الدستورية وحتى حقوق الطائفة الشيعية".
ويشعر بري، بحسب مصادر معنية بالملف، بأن الحريري كما أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يدفعان دينهما لعون من جيبته. فالأخير الذي أعلنها صراحة بعد حرب تموز ان دينه لعون سيبقى قائما حتى يوم الدين، علما انّه قدّم له دفعات كبيرة على الحساب أبرزها رئاسة الجمهورية حسب المصادر، ولا يبدو أنّه بصدد التخلي عنه اليوم وان كان في ملف بحساسية ملف "المرسوم الأزمة" لاقتناعه بأن اصطفافه علنا الى جانب بري من شأنه أن يُضعف موقف الرئاسة في هذه الأزمة ويحوّلها من أزمة دستورية الى اشكال طائفي ومذهبي نعلم كيف بدأ ولا يمكن ان نتوقع كيف ينتهي. وتشير المصادر الى انّه وبناء على المعطيات السابق ذكرها، قرر الحزب مناصرة بري بموقفه ولكن بعيدا عن الأضواء، على ان يبقى حتى النفس الأخير متمسكا بصمته العلني.
وبخلاف تفهمه نوعا ما لموقف حزب الله، يعتبر بري أنّه طُعن بالصميم من قبل الحريري الذي بعكس الحزب اتخذ موقفا واضحا الى جانب عون، أضعف موقف الرئاسة الثانية، وجعلها الحلقة الأضعف في ظل اصرار عون على اعتبار المرسوم نافذا حتى ولو لم يتم نشره في الجريدة الرسمية. ويعتبر بري أن الحريري يُفرط في اعتبار موقف رئيس الجمهورية خلال أزمة استقالته، الدين الّذي بدأ بتسديد دفعاته سريعا، اذ يرى رئيس البرلمان أن ما قام به الرئيس عون في هذا المجال، قام هو بأكثر منه من خلال الموقف الحازم الذي اتخذه الثنائي الشيعي والذي كان قادرا بوقتها على قلب الطاولة على رؤوس الجميع من خلال السير بمرشح من 8 آذار وبالتالي دخول حلبة المواجهة المباشرة مع المملكة العربية السعودية.
ولاقتناعه بأن الأمور وصلت الى نقطة اللاعودة وبأن ما يحصل يأكل من رصيده، قرر بري مؤخرا طرح مبادرة جديدة حمّلها الى النائب جنبلاط، وهي على ما يبدو تلقى استحسانا لدى الكثير من الفرقاء، وان كان أي موقف نهائي بشأنها لم يتبلور بعد في بعبدا. وفي هذا الاطار، لمّحت مصادر "التيار الوطني الحر" الى ان الاشكالية الاساس أمام التعاطي الايجابي مع مبادرة بري تكمن بكونها تدعو الى تجاوز المرسوم السابق الذي وقعه عون والحريري وأصبح بنظرنا نافذا. وأضافت المصادر: "هذا المولود قد وُلد وأي طرح لمعالجة الأزمة يجب ان ينطلق من هنا".
وبغض النظر ما اذا كانت مبادرة بري ستمرّ هذه المرة فيعوّض بعضا من الخسارات التي مني بها مؤخرا ان كان على صعيد علاقاته مع حلفائه او على صعيد الصراع السياسي المستمر مع الرئيس عون، الا أنّه لا شك سيعمل على رد الصاع صاعين لمن أصرّ على دفع دينه لرئيس الجمهورية من جيبه الخاص إذا ما أتيح له ذلك.