كانت كسروان على مدار دورتين انتخابيتين ساحة صراع سياسي يحلو فيها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون خوض معاركها ضد "البيوتات" السياسية. حقق الفوز الصريح وحظي بسبق التمثيل الماروني الواضح، لانها تنطلق من خمسة نواب موارنة لا شريكة لها مع بقيّة الطوائف... هذا كان فعلا ماضيا.
لكن اليوم ادخلوا قضاء جبيل الى جغرافيّة الدائرة كما ان النسبيّة ادخلت الى القانون الانتخابي، الذي غيّر اسلوب وعمل الماكينات الانتخابية وأضاع بعض القوى السياسية في نسج تحالفاتها، كما ان ضابط المدفعية العماد ميشال عون سلّم مقدرات القضاء الانتخابية للعميد المغوار شامل روكز الذي يحاول تأمين الحلفاء على لائحته بعيدا عن المقر في سنتر ميرنا شالوحي، خصوصا ان لزوم المعركة في كسروان وجبيل لها خصوصية فائقة الدقة بعيدا عن الاقتراع التمهيدي المعتمد في "التيار الوطني الحر".
اليوم يمكن وصف المعركة بـ"حرب داحس والغبراء الصامتة"، الّتي تخاض في معقل الموارنة التاريخي، ووتتمثل تحت قبة البرلمان بـ8 نواب موارنة ونائب شيعي، وتعول عليها جميع القوى السياسيّة لتظهير قوة التمثيل المسيحي على الساحة اللبنانية، لاسيما وان كان الرئيس ميشال عون استحوذ فيها على مقاعد الموارنة الخمسة في كسروان والمقعدين المارونيين في جبيل رغم القوة التي تتمتع بها العائلات، وبعض من شكلوا ومازالوا نقطة استقطاب للكسروانيين ومنهم النائب السابق منصور غانم البون الذي خسر المعركة في مواجهة الجنرال عون بفارق 2750 صوتاً، وفريد هيكل الخازن الّذي يتمتع بشعبيّة كبيرة شكل قاعدتها عمّه الراحل رشيد الخازن.
اما الرئيس السابق لجمعية الصناعيين ورئيس "المؤسسة اللبنانية للانتشار" نعمت افرام الذي خاض عدة معارك انتخابية من خلف الكواليس وهو دائماً يحاول ان "يلعبها سولو"، فطموحه يتعدى المقعد النيابي، لكن اثبات الثقل التمثيلي يبدأ من نسبة الشرعيّة التي سينالها من اصوات المقترعين على الساحة الكسروانيّة التي تشكل حقل الغام له، فهو يحاول الخروج منه باقل ضرر ممكن. فمواجهة العهد تعرضه لارباكات على الصعيد الاقتصادي الداخلي، كما التقارب الذي قد تهتزّ فيه علاقاته خارج الحدود اللبنانية الى المحيط الاقرب، كما أن علاقات القربى بين نائب "التيار الوطني الحر" وليد خوري والنائب السابق فريد هيكل الخازن واطراف اخرى فاعلة تفرض عليه التأني في اعلان تموضعه في أي لائحة قد تتشكل.
المشهد اليوم مازالت غيومه تتدافع في سماء الدائرة، فرغم اعلان العديد من الطامحين للسدّة البرلمانية ترشيحهم وعلى رأسهم العميد المتقاعد روكز، الذي رفع جزءًا من الستارة عن اللائحة الانتخابية التي قد يترأسها في ظل رعاية واهتمام بالغ من سيد القصر لرمزيتها، الا ان العقبة التي تبدو انها ستحتاج الى الكثير من المعالجة، بعدما تم تداول اسم النائب السابق منصور غانم البون كأحد اعمدتها، والذي كان قد صرح في وقت سابق انه لن يرضى بغير رئاسة اللائحة، وهو يشبه "الجوكر" يحاول جذب العروضات ويقف عند مفترق دارته بانتظار سلوك الطريق التي توصله الى البرلمان.
في ظل قانون النسبيّة الذي مازال يكتنفه الغموض، وسوء التفسير للناخب والمرشح على حدّ سواء، يؤكد عدد من المراقبين ان التحالفات في ظلّه لن تشكل "محادل"، كما ان الصوت التفضيلي لا يسمح بتأليف لوائح تهدد سلامة المعركة الانتخابية خلافاً للقانون القديم.
الجميع اليوم يتريث باعلان التحالفات التي مازالت مفتوحة على جميع الاحتمالات لاسيما لدى فريق 14 آذار، الذي تصدع، وبات موزعا على فريقين وثلاثة في مواجهة فريق 8 آذار و"التيار الوطني الحر" لا سيما وان تحالف الأخير مع "حزب الله" مازال على صلابته.
وكما في كسروان كذلك في جبيل فترشيح زياد حواط الذي يقابله ترشيح عمّه النائب السابق جان حواط يواجهه عدة حواجز عليه اجتيازها، من بداية العلاقة بين النائب فارس سعيد والقوات اللبنانية والتي بدأت تتعرج طرقاتها منذ فترة، وهذا الامر دفع بالاخير الى الترشح كمستقل مع ابقاء قنوات الاتصال مع الجميع، وهو الذي توازي أصواته النسبة التي يحققها احد الاحزاب لذا فإن الامل بفوز كبير يعتبر من المستحيلات، لاسيما في حال استرجاع بعض مجريات انتخابات 2009 حين اجتمعت الاحزاب المختلفة في مواجهة "التيار الوطني الحر"، ولم تستطع تحقيق الفوز رغم التقارب في نتائج الاصوات فكيف اليوم بلوائح متعددة لحلفاء الامس.
انطلاقاً مما ورد فان معركة التيار هي معركة من سيحصل على قرابة 120 الف صوت في دائرة كسروان–جبيل!. ومن المرجح بنسبة كبيرة ان يكون الحاصل الانتخابي للائحة التيار ما بين 60 و50 الف صوت في ظل تضعضع اللوائح الاخرى التي تضم افرقاء 14 آذار غير الموحّدين، وحتى لو ان الصوت التفضيلي ربّما يحقّق لهم مقعدا او أكثر، فإن الشرعية ستذهب الى من حقّق العدد الاكبر من الاصوات، ولو خسر "الوطني الحر" مقعدين او ثلاثة لأنّ الفارق هو من يؤمّن الشرعية التي سيصرف رصيدها في المقاعد الوزارية لتصل الى حدود البلديات والوظائف الرسمية والتعيينات.