ليست المرة الاولى التي تترافق فيها التحضيرات للانتخابات النيابية مع اقوال وشائعات تشكك بحصولها في موعدها او ضع علامات استفهام حول نزاهتها. ولكن هذه المرة تكتسب الشائعات اهمية اكبر وامكانية اشمل للتصديق لسبب جوهري وهو ان القانون الذي اتفق على ان تجرى على اساسه، حديث ولم تستوعبه بعد شريحة كبيرة من اللبنانيين. لذلك، تطالعنا بين الفترة والاخرى اصوات تستهدف بعض بنود القانون الجديد، وتنطلق منها للتحذير من انها قد تشكل سبباً لارجاء الانتخابات، او عدم حصولها حتى الاتفاق على حل هذه المشاكل التي تظهر بشكل فجائي. ولان القانون جديد، بنوده غير متآلفة مع رغبة اللبنانيين في التبسيط، وتعابيره مبهمة، سرعان ما يتحول التشكيك الى مخاوف حقيقية لدى المواطنين من امكان "تطيير الانتخابات"، ويساهم السياسيون والمسؤولون في تسريع وتيرة هذه المخاوف عبر كلامهم عن قصد وعن غير قصد.
ولكن، في نظرة سريعة الى واقع رؤساء الاحزاب والتيارات، تشكّل الانتخابات فرصة لهم لتجديد الدماء في احزابهم وتياراتهم، خصوصاً وان القانون الجديد يضمن عدم اقصاء احد، ولو انه لا يضمن عودة الارقام الكبيرة للكتل النيابية التي اعتاد عليها المجلس والناس لسنوات طويلة. اضافة الى ذلك، يرغب المجتمع الدولي في رؤية استثماره لـ"المظلة الامنية" التي وفّرها للبنان في الفترة الاخيرة، والتي ساهمت بشكل فاعل في ارساء استقرار امني واقتصادي في احلك الظروف التي مرّت فيها المنطقة ككل، وهذا الاستثمار يتجسد باجراء انتخابات نيابية تسمح له بنسج علاقات لفترة جديدة وفق شروط وأسس جديدة ايضاً.
ومنذ ايام، بشّر رئيس الحكومة سعد الحريري بأن لبنان سيستضيف العام المقبل القمّة العربية، وليس من المعقول ان يستقبل لبنان الزعماء العرب وهو لم يتمكن من اجراء انتخابات نيابيّة، او في حضور مجلس ممدّد له يكون عمره قد بلغ سناً اكبر من أي برلمان في العالم.
من المنطقي اذاً القول ان الانتخابات ستقام في موعدها، ولكن ما الهدف من القاء هذه "القنابل التشكيكية" خلال فترات قصيرة قبل اشهر قليلة على هذا الاستحقاق؟، الجواب قد يكون بسيطاً ويتمحور حول العمل الذي يقوم به الكثيرون لاقتطاع اجزاء من بنود القانون لا تصب في خانة هؤلاء، وقد تجعلهم يخسرون اصواتاً لا يرغبون في فقدانها، فيعملون على استهداف بنود محددة في القانون الانتخابي، علماً ان نسبة نجاحهم في هذا الاستهداف ليست صغيرة لانها تتوافق مع نوايا مبيّتة لافرقاء آخرين، فيلتقي الجميع على هدف واحد وينجحون في القضاء عليه.
من هنا، يجب انتظار قانون انتخابي "ناقص" حين يحين موعد الانتخابات، وستجرى ضمن قاعدة ارضاء التيارات والاحزاب، لانه من غير الممكن "تطيير" الانتخابات لاسباب تم ذكرها آنفاً، واخرى تتعلق بإحراج سيلاحق بالتأكيد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وعد مراراً وتكراراً بإجراء الانتخابات، ولم يتردد في خوض مواجهات سياسية مع افرقاء آخرين من اجل الانتخابات، كما انه قبل بالتمديد الاخير شرط حصولها في ايار المقبل. والاحراج سيطال ايضاً الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري كونهما اعلنا على الملأ وفي اكثر من مناسبة انهما لن يقبلا بالغاء الانتخابات او ارجائها، وهذا الامر بمثابة التزام لا يمكنهما التهرّب منه محلياً ودولياً.
التحدّي الكبير الذي يواجهه اللبنانيون اليوم، هو عدم السماح بتطيير بنود جديدة من قانون الانتخاب، والاكتفاء بصيغته الحالية التي، وان لم ترضِ الجميع، تبقى افضل مما ستكون عليه الصورة النهائية للقانون بعد تشويهه ارضاء لهذا الطرف او ذاك. ويجب على الناخبين ان يتحضروا للاستحقاق وفق ارادة ذاتية، وألاّ يعتمدوا على الاحزاب والتيارات لتوعيتهم على القانون الجديد، لانه كلما كان الغموض سائداً سهل خداعهم، وتطير بالتالي توقعاتهم وآمالهم.