لكل دائرة إنتخابيّة أهمّيتها الخاصة، ومعركة العاصمة بيروت المقسومة وفق القانون الجديد إلى دائرتين إنتخابيّتين، تتمتّع بأهمّية مُضاعفة، لأنّ رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يطمح للبقاء زعيمًا للطائفة السنّية في لبنان، وكذلك للعودة إلى منصب رئاسة الحُكومة بعد صُدور نتائج الإنتخابات النيابية المُقبلة، يترشّح في الدائرة الثانية ذات الأغلبيّة الإسلاميّة، بينما تتنافس مُختلف القوى المسيحيّة في دائرة بيروت الأولى ذات الأغلبيّة المسيحيّة، ما يجعل العاصمة بمثابة إختبار قُوّة للجميع. فما هي المعلومات المتوفّرة بشأن معركة بيروت الإنتخابيّة؟.
من الضروري الإشارة بداية إلى أنّه في العام 2009، كانت بيروت مقسومة إلى ثلاث دوائر إنتخابيّة، لكن مع القانون الإنتخابي الجديد جرى تقسيمها إلى دائرتين فقط، بعد نقل الباشورة إلى كل من المزرعة والمصيطبة وراس بيروت وعين المريسة وميناء الحصن وزقاق البلاط لتشكيل الدائرة الثانية، ليبلغ عدد الناخبين فيها نحو 350 ألف ناخب(1)، وبعد نقل منطقتي المدوّر والمرفأ إلى كل من الأشرفية والرميل والصيفي لتشكيل الدائرة الأولى، ليبلغ عدد الناخبين فيها نحو 134 ألف ناخب(2).
لا شكّ أنّ رئيس الحكومة سيُواجه معركة إنتخابيّة في مسقط رأسه في صيدا، حيث يسعى رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد لإستعادة موقعه النيابي الذي إنتزعه منه "تيّار المُستقبل"، وهو سيُواجه أيضًا معركة إنتخابية في إحدى أهم وأكبر المدن اللبنانيّة طرابلس حيث يسعى مدير عام قوى الأمن السابق اللواء أشرف ريفي وغيره من القيادات الطرابلسية ومنها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على سبيل المثال لا الحصر، إلى إثبات توزع أهل الطائفة السنّية على مرجعيات عدّة غير "تيّار المُستقبل". لكنّ معركة "التيار الأزرق" الأهمّ تبقى في دائرة بيروت الثانية حيث يطمح "المُستقبل" إلى الحفاظ على تفوّقه، خاصة وأنّ رئيسه سعد الحريري مرشّح فيها، شأنه شأن وزير الداخلية نهاد المشنوق، مع رغبة بأن تتضمّن اللائحة أيضًا أسماء من عائلات عريقة منها آل سلام، عبر ترشّح رئيس الحكومة السابق تمّام أو نجله صائب. وستختلف طبيعة المعركة، لجهة أن تكون سهلة أو صعبة، تبعًا لشكل وطبيعة اللائحة أو اللوائح المُنافسة التي سيتمّ تشكيلها، حيث توجد قوى عدّة قادرة على التأثير ولوّ بنسب مُتفاوتة، بدءًا بالثنائي الشيعي، مرورًا برئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي، وُصولاً إلى القوى "الناصريّة الهوى" والأحباش والجماعة الإسلامية وقوى "المُجتمع المدني"، إلخ. وبالنسبة إلى المقاعد غير السنّية، فالإحتمالات مفتوحة على مصراعيها، في ظلّ عزم "الثنائي الشيعي" السيطرة على المقعدين الشيعيّين اللذين كانا موزّعين مُناصفة مع "المُستقبل"(3) بمُوجب "إتفاق الدوحة"، وارتباط المقعد الدرزي الذي يشغله حاليا النائب غازي العريضي بمصير التحالف بين "المُستقبل" و"الإشتراكي" في دائرة "الشوف عاليه". وبالنسبة إلى مصير المقعدين المسيحيّين فهو مُرتبط بما ستؤول إليه المُفاوضات، حيث أنّ عين "التيّار الوطني الحُرّ" على واحد منهما بالتوافق مع "المُستقبل" أو ضُدّه، ، علمًا أنّ شخصيات معروفة مثل النائب السابق نجاح واكيم تطمح للمنافسة أيضًا. إشارة إلى أنّه بحسب تقسيمات القانون الجديد، سينتخب البيارتة في دائرة "بيروت الثانية" 11 نائبًا، منهم 6 من الطائفة السنّية، إضافة إلى نائبين من الطائفة الشيعيّة ونائب واحد عن كل من الدروز والأرثوذكس والإنجيليّين. وبالتالي، يُمكن القول إنّ الكلمة النهائيّة ستكون للناخبين السنّة، مع قُدرة للناخبين الشيعة على تأمين الحاصل الإنتخابي الكفيل بتحقيق الخرق.
وبالنسبة إلى دائرة بيروت الأولى يسعى حزب "الكتائب اللبنانيّة" للدفاع عن موقع نائبه نديم الجميل بكل رمزيّته، وتطمح "القوّات" لأنّ تكون حاضرة مُباشرة هذه المرّة، عبر كل من المهندس عماد واكيم والقيادي ريشارد قيومجيان على الأرجح، بعد أن كانت تكتفي بموقع الدعم بالأصوات فقط في السابق. ويُخطّط "التيّار الوطني الحُر" الذي كان يشتكي في الماضي من عدم إنصاف القانون الإنتخابي له، إلى إثبات شعبيّته في المنطقة عبر مجموعة من الترشيحات المباشرة وتلك الداعمة للحلفاء، وذلك ضمن لائحة كاملة ستضمّ على الأرجح كلاً من نائب رئيس "التيار" نقولا صحناوي والسيّد مسعود الأشقر ورئيس جمعيّة تجّار بيروت نقولا شماس ورئيس الرابطة السريانيّة حبيب إفرام وغيرهم. وبالنسبة إلى حزب "الطاشناق" الذي يعتبر أنّه ظُلم في الدورات الإنتخابية السابقة بسبب السيطرة على مقاعد الطائفة الأرمنيّة بأصوات غير أرمنيّة ولا حتى مسيحيّة، فهو يُخطط للدُخول بقُوّة في المعركة الإنتخابيّة في هذه الدائرة التي سيُدافع أيضًا مُرشّحون آخرون عن حُضورهم فيها، وفي طليعتهم وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون. ويطمح المسؤول السابق في "التيّار الوطني الحُرّ" زياد عبس إلى تحقيق الخرق المطلوب من خارج لائحة "التيّار" بطبيعة الحال، بالتنسيق مع فاعليّات من "المُجتمع المدني". ومن الطامحين للدخول إلى الندوة البرلمانية عبر بوابة دائرة بيروت الأولى السيدان دايفيد عيسى وجورج شهوان، إلخ. وبحسب تقسيمات القانون الجديد، سينتخب البيارتة في دائرة "بيروت الأولى" 8 نوّاب، 3 منهم من طائفة الأرمن الأرثوذكس، إضافة إلى نائب واحد عن كل من الأرمن الكاثوليك والروم الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة والأقليّات. وعلى الرغم من أنّ الكلمة الأكبر في هذه الدائرة ستكون نسبيًا للناخبين الأرمن، فإنّ توزّع الكتل الناخبة على العديد من الطوائف والمذاهب والأحزاب، وكذلك على العديد من الأحزاب والشخصيّات السياسيّة، سيُؤدّي إلى تشتيت كبير في أصوات الناخبين، مع ما يعنيه هذا الأمر من إحتمال أن يتوزّع الفائزون على عدد كبير من اللوائح والقوى والشخصيّات المُتنافسة.
إذًا وبإختصار، إنّ معركة العاصمة هي معركة زعامة "تيّار المُستقبل" في دائرة بيروت الثانية، ومعركة فرض النُفوذ من جانب القوى والأحزاب المسيحيّة المُختلفة في دائرة بيروت الأولى، والكلمة الفصل لن تكون سوى للناخبين.
(1) يُشكّل الناخبون السنّة فيها نحو 62 %، والشيعة نحو 20 %، والأرثوذكس نحو 5 %، والموارنة أقل من 2 %، والباقي أقليّات محدودة العدد جدًا.
(2) يُشكّل الناخبون الأرمن الأرثوذكس فيها نحو 28 %، والروم الأرثوذكس نحو 19 %، والموارنة نحو 13 %، والكاثوليك نحو 10 %، والسنة نحو 10 % أيضًا، والأرمن الكاثوليك نحو 5 %، والسريان الكاثوليك نحو 4 %، والإنجيليون نحو 3 %، واللاتين نحو 3 % أيضًا، والشيعة نحو 2 %.
(3) أحدهما للنائب هاني قبيسي، والآخر للنائب غازي يوسف.