وسط الأزمة السياسية اللبنانية المستفحلة بين الرئاستين الأولى والثانية والخشية من تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة المقرر إجراؤها بعد أشهر قليلة، تزاحمت الملفات الفلسطينية السياسية والأمنية في لبنان، والتي استحوذت على إهتمام المسؤولين وأبرزها وآخرها محاولة اغتيال القيادي في حركة "حماس" محمد عمر حمدان "أبو حمزة" عبر تفجير سيارته في البستان الكبير في صيدا، نجا منها باعجوبة.
وقد تركت عملية الإغتيال الفاشلة، تساؤلات عن دور ومهام حمدان نفسه بعد الارباك الذي ساد صفوف حركة "حماس" بين النفي الانتماء اليها في بادىء الأمر، وبين تبنيه رسميا بعد ساعات قليلة، وهو غير المعروف في الاوساط السياسية والامنية اللبنانية والفلسطينية والصيداوية معا.
وقرأت أوساط "حمساوية" لـ"النشرة"، محاولة الاغتيال بأنها رسالة اسرائيلية واضحة البصمات، بعد تهديد اسرائيلي منذ أشهر لمسؤولي الحركة في لبنان بالاستهداف، ورغبة في حرف الاهتمام عما يجري في القدس من انتفاضة شعبية على ضوء القرار الاميركي بإعتبارها عاصمة لاسرائيل.
وربطت بين هذه الجريمة وبين عمليات الاغتيال الاسرائيلية لقادة من الحركة خارج الاراضي الفلسطينية ومنهم المهندس محمد الزواري، الذي اغتيل في 15 كانون الاول 2016 في مدينة صفاقس في تونس، وهو عضوٌ في كتائب "الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري للحركة وأشرف على مشروع تطوير صناعة الطائرات بدون طيار في وحدة التصنيع في كتائب القسام، والتي أطلق عليها اسم أبابيل1، اضافة الى محمود المذبوح العضو البارز في كتائب عز الدين القسام والذي اغتيل في 19 كانون الثاني 2010 بفندق في مدينة دبي، بعد صعقه كهربائيًا داخل غرفته ومن ثم جرى خنقه حتى لفظ أنفاسه دون أن تظهر أي اصابات على جسده، وبعده اغتيال القيادي كمال حسني غناجة في 29 حزيران 2012، وهو أحد أهم كوادرها العسكريين، في منطقة قدسيا غربي العاصمة السورية دمشق ويلقب بـ"نزار أبو مجاهد"، وكان مساعداً بارزاً للقائد الميداني المبحوح، ناهيك عن اغتيال القيادي عز الدين الشيخ خليل في دمشق في تشرين الاول 2004، على ان البصمة الاكثر وضوحا هي انها تشبه عملية اغتيال القيادي في حركة "الجهاد الاسلامي" محمود المجذوب وشقيقه نضال في 26 ايار 2006، على يد مجموعة من العملاء برئاسة العميل محمود رافع، لجهة ذات الأسلوب في التفخيخ والتفجير وفي نفس المنطقة تقريبا في البستان الكبير عند الطرف الشمالي لمدينة صيدا.
وأوضحت المصادر "الحمساوية"، ان ما عزز الاعتقاد ايضا اولا: ان محاولة اغتيال حمدان جاءت بعد المهرجان السياسي الحاشد الذي اقامته الحركة في صيدا )17 كانون الأول 2017( في ذكرى انطلاقتها الثلاثين، وأكدت فيه على لسان مسؤول منطقة الخارج في الحركة ماهر صلاح تمسكها بالمقاومة وأنّ "قرار الرئيس الاميركي دونالد ترمب سيسقط وستسقط معه صفقة القرن"، التي وصفها بـ"الشيطانية"، داعياً "الفصائل الفلسطينية لتحمل مسؤولياتها، والعمل الوطني على قاعدة المقاومة، وصون الحقوق والثوابت الوطنية"، معتبرة انها ليس فقط استهداف لحركة المقاومة وانما للجوء الفلسطيني في لبنان والامن والاستقرار في لبنان وسيادته، وثانيا، انه لا يوجد اي علاقة بين محاولة الاغتيال هذه وبين أي خلافات فلسطينية داخل مخيّم عين الحلوة لا من قريب او بعيد، على ان يبقى حسم الموضوع بيد الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية التي باشرت تحقيقاتها باشراف القضاء العسكري لحسم الجهة التي تقف وراءها.
تصفية "الاونروا"
الى جانب التطور الأمني، يتقدم يوما بعد آخر، التهديد الاميركي بوقف دفع المساعدات المالية لممارسة ضغوط سياسية علنية على القيادة الفلسطينية للقبول بالقدس عاصمة لاسرائيل، وتاليا استئناف مفاوضات السلام من جهة، ومحاولة إنهاء عملها ومحاولة شطب قضية اللاجئين من جهة أخرى، ما جعل الوكالة الدولية تعيش حالة ارباك، ترجم في الاجتماع الطارىء الذي عُقد في عمّان برئاسة المفوض العام لها بيار كرينبول، وبمشاركة مديري عمليات المناطق الخمسة، وخلص الى مناقشة تبعات القرار الأميركي حال تنفيذه، وتأثيره على أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني وابرزها عجز موازنة الوكالة منذ بداية 2018 حتى الآن 174 مليون دولار، هو مرشح للزيادة في حال وقف او تراجع الدعم خاصة ان هناك عدم وضوح لاستجابة بعض المنافذ الجديدة، وان الوضع سيزداد سوءاً عند وقف دعم الولايات المتحدة-اكبر مانح للوكالة، أو تخفيض حجمه، والمقدّر بحوالي 370 مليون دولار سنويا وفي حال نفاذ قرار تجميد المساعدات الأميركية، سيتم اللجوء: إما استمرار التقشف، أو تعليق بعض الخدمات، أو مواصلة البحث عن البدائل وقد تضطر الوكالة عند استمرار الحال لما بعد نهاية الشهر الحالي، إلى المزيد من تقليص الخدمات.
وعلى المستوى اللبناني، فقد كان المدير العام للوكالة في لبنان كلاوديو كوردوني، سباقا الى تهيئة فريقه الإداري للتقشف والخطوات المنوي اتخاذها حول الإجراءات المالية الخاصّة، والتدابير التي تمّ اتّخاذها وبدأ العمل بها في 11 كانون الثاني 2018 ولمدّة عشرين يوما وهي متعلّقة فقط بموازنة البرامج، الموازنه العامّة، ولا علاقة لميزانية المشاريع بها.
واوضح كوردوني أن الاجراءات الموقته لتوفير الكلفة: وقف التوظيف بطريقة التعاقد اليومي ما عدا معلمي التعليم الأساسي والمهني "سبلين" في لبنان والاخصائيين الطبيين.
وتخوفت المصادر، انه في حال تطبيق سلسلة التدابير التقشفية، فانها ستثير غضب واستياء اللاجئين ما يسهم في ايقاع الخلافات بينهما، فيما المطلوب الدفاع عنها كشاهد على النكبة واللجوء، حيث أكدت مصادر فلسطينية انها لن تنجر الى ذلك وستحافظ على المؤسسة وموظفيها وستعتمد خطة تقوم على تبني شعار "نختلف مع الوكالة... لا عليها"، وتاليا التمسك بها بالرغم من التقليص التي حصلت ومواصلة النضال من اجل تحسين خدماتها وزيادة تقديماتها باعتبارها مؤسسة دولية معنية وشاهدة على قضية اللاجئين الى حين العودة الى فلسطين.
وتؤكد اوساط متابعة لـ"النشرة" انه "يجب أن يوضع قرار دونالد ترامب الخاص بوقف تمويل "الأونروا" إلى جانب قراره باعتبار القدس عاصمة لاسرائيل من حيث خطره على القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة الفلسطينية. ومن ثم يجب أن يواجَه بالقوة نفسها التي يواجَه بها القرار الأميركي الترامبي العدواني على القدس، لأنه إنهاء لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وهو الحق الثابت إلى جانب الحق في القدس والحق بكل فلسطين".
واشارت الى ضرورة القيام بمبادرات ومواقف فلسطينية عملية أولاً، ثم بتحريك قضية الأونروا عربياً وإسلامياً ودولياً ابتداء من مجلس الجامعة العربية (وزراء الخارجية العرب) مروراً بمنظمة التعاون الإسلامي، وصولاً إلى الجمعية العامة ذات المسؤولية الأولى من الناحية الرسمية على "الأونروا" واستمراريتها وإحباط المؤامرة الأميركية-الصهيونية في حجب الأموال اللازمة لها، أو محاولة تغيير قرار الجمعية العامة الذي شكلها وحدد اختصاصها، وميزها عن كل حالة لاجئين أخرى".