يقال أن متوسط كلفة إنشاء نفق في الغرب التي يهمّها "مالها العام" لا تزيد عن 4000 دولار أميركي للمتر المربع الواحد، ولكن في لبنان فالمعايير تبدو مختلفة، فكلفة تأهيل المتر المربع في نفق سليم سلام وصلت الى حدود الـ10 الاف دولار أميركي، ولمن لا يعلم عن نفق سليم سلام فنؤكد له انه ليس نفقا تحت الماء ولا هو مجهز لسير المكبات الفضائية.
17.2 مليون دولار ستكون كلفة صيانة جسر ونفق سليم سلام، مقسّمة بين شركتين، الأولى هي شركة جهاد العرب وستحصل على 8.4 مليون مخصصة لصيانة النفق، و8.8 مليون دولار كلفة تأهيل جسر حوض الولاية والمتعهد هو أنطوان مخلوف.
تناول كثيرون كلفة المتر الواحد وعبروا عن استيائهم من طريقة التلزيم وأثاروا التساؤلات حولها، ولكننا سندخل أكثر في العمق، ونتحدث عن "المسؤوليات" الملقاة على عاتق أجهزة الدولة.
من الضروري بداية الإشارة الى مادتين وردتا ضمن قانون البلديات رقم 118 عام 1977 وتعديلاته، الأولى هي المادة 56 الفقرة الثانية والتي تنص على "أن الرقابة الادارية على قرارات مجلس بلدية بيروت تُمارس من قبل وزير الداخلية فقط"، والمادة 90 التي تشير الى أن "بلدية بيروت تخضع لرقابة ديوان المحاسبة". اذا لا يمكن لقرارات المجلس البلدي أن تمر دون موافقة وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي لن يكون معترضا حتما على تلزيم المقاول جهاد العرب. ليبقى السؤال: أين ديوان المحاسبة؟.
أشارت المادة 87 من الدستور اللبناني إلى تأسيس الديوان المذكور الذي هو مؤسسة دستورية نشأت عام 1951، للسهر على حسن صرف الأموال العمومية، بحسب مصادر قانونية، مشيرة عبر "النشرة" الى أن الديوان يقوم بالرقابة المسبقة واللاحقة على الادارات الرسمية ومن ضمنها بلدية بيروت بهدف استدراك الأخطاء قبل حصولها أو تصحيحها بعد حدوثها. وتضيف المصادر: "إن النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة تتحرك تلقائيا عند وجود شك بحدوث هدر للمال العام، فهل تحركت في ملف جسر سليم سلام؟ ام أبدى الديوان موافقته"؟، مشيرة الى أن كل الأمور توحي بان الديوان وافق على المشروع بالشكل الذي آل اليه.
من جهتها تكشف مصادر في بلدية بيروت عن "الدرب" الذي يسلكه ملفا كهذا قبل اقراره، فتشير الى ان دفاتر الشروط تتلى في المجلس البلدي وتذهب الى وزير الداخلية للتصديق عليها، ثم تُدرس من قبل لجان البلديات بالوزارة وتُكتب الملاحظات حولها، ثم تُقام المناقصة بعد نشر الاعلان بثلاث صحف والجريدة الرسمية، ويتم اختيار الفائز بناء للسعر الأقل مع الالتزام بالشروط. وتضيف: "تتوجه النتيجة الى المجلس البلدي لاقرارها ثم باتجاه المراقب العام لوزارة الداخلية الذي يحولها بدوره لسلطة الرقابة المسبقة بديوان المحاسبة، ومن ثم يُعاد الملف الى المراقب العام ومنه للمحافظ ومن ثم لدائرة التصفية لتثبيت النفقة واخيرا للدائرة المختصة بإعطاء أمر المباشرة والاشراف على التنفيذ".
اما بالنسبة للأسعار فيشير عضو البلدية هاغوب ترازيان الى أنها ليست بعيدة عن التوقعات التي رسمتها "الادارة" بعد تسعير دفتر الشروط، مؤكدا في حديث لـ"النشرة" أنه "سيكون بالمرصاد للتدقيق بتنفيذ دفتر الشروط بحذافيره".
في 19 آب من العام 2016 طرحت "النشرة" سؤالا في أحد مقالاتها بعنوان "هل يكون فرج "المستقبل" المالي عبر مشاريع بلدية بيروت"؟، واشارت حينها بحسب مصادر الى أن أزمة تيار "المستقبل" الماليّة هي السبب الرئيسي لكل المشاريع المقترحة في البلدية منذ ما قبل الانتخابات البلدية الأخيرة. وفي هذا السياق تعدد المصادر أبرز المشاريع التي دارت وتدور، بالصدفة ربما، في فلك التيار سواء عبر "مقاول الجمهورية" او غيره لوضع الرأي العام أمام الوقائع ليحكم على أساسها: شركة "لاسيكو" لأصحابها سليم دياب وبلال العلايلي، والتي استلمت مشاريع عديدة، منها، وضع الدراسات لتحويل الملعب البلدي الحالي في الطريق الجديدة الى مركز مدني بيئي ومواقف للسيارات، مشروع مسح الأبنية القديمة في العاصمة وغيرها عبر مكتب خالد شهاب للهندسة، أعمال شركة "خطيب وعلمي"، شركة جهاد العرب التي فازت بتشغيل مطمر الكوستابرافا، حصلت من البلدية على اعمال انشاء سوق الخضار في الطريق الجديدة، صيانة نفق سليم سلام، المستشفى المصري الميداني في حرش بيروت، وربما قريبا انشاء محرقة للنفايات لمدينة بيروت.
وسابقًا نقلنا بعض الكلام الذي يدور في الكواليس ومفاده "ان لبلديّة بيروت ثلاثة مفاتيح، ومن يجمعهم ينجح بالسيطرة على "خيرات" البلدية والمدينة، والمفاتيح هم محافظ بيروت ورئيس البلدية، وقائد البلدية. ولدى السؤال عن هوية هذا القائد يأتي الجواب بأنه المقاول جهاد العرب. فهل استطاع احدهم جمع المفاتيح الثلاثة؟.
لا شك أن الأرقام المرتفعة لأعمال النفق والجسر تثير الريبة في بلد المحاصصة، ولا شك أيضا أن صمت أجهزة الرقابة بأكملها وتحديدا القضائية يضع علامات استفهام بعد كل رقم ورد في المناقصة، فهل يتحرك أحد المعنيين للتوضيح؟ هل تنشر البلدية دفتر شروط المشروط لكي يتمكن أصحاب الاختصاص من مراقبة التسعير؟ أم أننا وصلنا لمرحلة متقدمة جدا من "اللامبالاة" تجاه المواطن ومفهوم الدولة؟.