يهدف كلّ من الأميركيين والأتراك بالطريقة التي تثار فيها قضية الحدود والرعاية الأميركية للسلاح الكردي، إلى صرف الانتباه عن كون النقاش يدور حول وجودين أجنبيّين فوق الأراضي السورية، لا يحظى أيٌّ منهما على شرعية القبول من الدولة السورية بحكومتها الشرعية. وقد تورّط كلّ منهما بانتهاكات تسبّبت بالنيل من السيادة السورية ومن وحدة التراب السوري ونتج عن مداخلتيهما الكثير من الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدها السوريون شعباً وجيشاً ومؤسّسات عامة وخاصة فيصير على المتابع أن يختار الانحياز إلى أحد الباطلين وتخيّله حقاً، انطلاقاً من لحظة ضعف أو تراجع أو انفعال.
بين الأطراف الثلاثة الأميركي والتركي والكردي، أكثر مَن يعتب عليه السوريون ويعضبون منه هم الأكراد، لأنهم أبناء بلد أولاً، ولأنهم لاقوا كلّ معاملة إيجابية من دولتهم التي فتحت لهم الفرص عند كلّ مناسبة وتناست أخطاءهم عند كلّ مأزق، لكنهم بادلوها الحسنة بالسيئة، وارتضوا دور التابع للأميركي على صفتهم كمكوّن وطني سوري، شريك في إعادة إعمار بلده سياسياً واقتصادياً، ولعبت قياداتهم دور المستعدّ لحمل سكين التقسيم وإعلان الانفصال وهم يرون نتاج مغامرة مشابهة لأكراد العراق والعمر القياسي لسقوطها المدوّي، ولم يرتدعوا، وتمدّدوا في مناطق لا وجود كردي شعبي فيها، بقوة البلطجة الأميركية وأسموها كردستان سورية، ليخضعوا بقوة الاحتلال الأميركي مناطق وسكان لا يمكنهم قبول تحوّلهم رعايا عرب في دويلة كردية.
في معادلة الأميركي والتركي ونزاعهما حول عفرين والشريط الحدودي، لا يهمّ السوريين ما يقوله الطرفان. فالحديث يدور عن أرض سورية يجب أن يخرج منها المحتلّ، وكلّ منهما احتلال. والحديث عن تصادم تركي أميركي أو توافق تركي أميركي لا قيمة له إلا بقدر الجواب عن سؤال: هل يقرّب الخلاف أو الاتفاق موعد رحيل هذين الاحتلالين؟ ولكون الخلاف والاتفاق يجريان تحت بند إطالة أمد الاحتلالين والتناوب على تقديم المبرّرات لبعضيهما البعض. فالقضية السورية هي إضعاف الاحتلال، وليس الدخول على خطوط لعبته، سواء أكان تركياً أم أميركياً، وفي المواجهة مع الاحتلال ينتظر السوريون من أبناء بلدهم من الأكراد أن يفكّروا بعقل سوري فيروا أن لا احتلال أفضل من احتلال، وأنّ الجيش السوري ليس بديلاً جيداً لاحتلال الأتراك، أم إذا تيسّر وجود الأميركيين فلا حاجة للجيش السوري، بل يمكن قتاله أيضاً؟
ما يجري على الحدود السورية التركية يهمّ سورية، لكن من زاوية مختلفة عن التي ينظر منها الكثيرون. فما يهمّ سورية هو أنّ منتهيي الصلاحية من الأجانب الذين لا شرعية لوجودهم في سورية، يتبادلان الأدوار ويتسابقان على من يبقى بذريعة أنه صاحب حق. والحق سوري يجري تقاسمه بقوة الباطل، وستكون سورية معنية بالقدر الذي تشكل فيه الأحداث الجارية هناك مدخلاً لعودة جزء من الجغرافيا السورية شعباً وأرضاً إلى كنف الدولة السورية.