اختلطت الأوراق مجدداً بعد إعلان التحالف الدولي نيّته تشكيل وتدريب قوة أمنية حدودية سورية جديدة بالتعاون مع "قوات سورية الديمقراطية"، تسمى"حرس الحدود"، على أن يكون قوامها 30 ألفًا. ومباشرة بعد ذلك، صرّح مصدر كردي رسمي قائلاً إن "تشكيل قوة عسكرية حدودية بدعم من قوات التحالف الدولي في شمال سورية، فضلاً عن إرسال دبلوماسيين أميركيين، سيليه خطوة الاعتراف بشرق الفرات وفيديراليته التي قررتها مكونات هذه المنطقة من الأكراد والعرب وغيرهم".. وأكد أن "قوات التحالف الدولي ستبقى في سورية، لأن وجودها يشكل حاجة محلية وإقليمية ودولية لحماية مكونات سورية من الإرهاب من جهة، ومنع هيمنة دول مثل إيران وتركيا على سورية من جهة أخرى".
قد تكون هذه الأخبار متوقَّعة، فالأميركيون اضطروا أن يكشفوا عن خططهم المقبلة بتقسيم سورية، خصوصاً أنهم كانوا يتوقعون إطالة أمد الحرب مع "داعش" و"جبهة النصرة" في إدلب، لكنهم لم يستطيعوا تأخير الحسم الذي قام به الجيش السوري وحلفاؤه في إنهاء المعارك على الحدود السورية العراقية، ولم يستطيعوا تأخير الحملة العسكرية على إدلب، والتي سارت بسرعة غير متوقَّعة في مرحلتها الأولى، والتي يستعدّ الجيش السوري لإطلاق مرحلتها التالية، والتي ستعيد تحرير كامل المساحة الممتدة حتى اتوستراد دمشق - حلب، كمرحلة ثانية.
وانطلاقاً من فشل الاستراتيجية الأميركية لاستنزاف القوى المتقاتلة في سورية، الواضح أن الأميركيين يريدون إنشاء "حرس الحدود" لينتشر على كامل الأرض التي يسيطر عليها الأكراد، والتي توجد في قواعد عسكرية أميركية تحميها، وهذا تكون على حدود الكونتون الكردي، أي على طول الحدود السورية التركية، والحدود العراقية باتجاه الجنوب الشرقي، وعلى طول وادي نهر الفرات الذي وضعه الأميركيون في وقت سابق كخط فاصل بين "قوات سورية الديمقراطية"والجيش السوري وحلفائه.
إذاً، توضحت الخطة الأميركية الجديدة بتقسيم سورية واقتطاع جزء كردي في الشمال السوري، يعترفون باستقلاله، ويؤمّن شرعية لوجودهم العسكري في سورية، فكيف ستكون مواقف الأطراف الأخرى؟
لن تقبل كل من تركيا وسورية وإيران وروسيا بالترتيبات الأميركية الجديدة، وإن كان الروس-بالمبدأ- يتركون الباب مفتوحاً للمفاوضات وتكريس أنفسهم كوسيط بين الأطراف المتقاتلة، لكن الدول الثلاث الأخرى لن تقبل مطلقاً بهذا الأمر.
بالنسبة لتركيا، يدرك الأتراك أن الأميركيين، ومن خلال هذا الإعلان، قداختاروا دعم الحليف الكردي على حساب الحليف التركي، ولهذا فإن التصعيد التركي اليوم ضد عفرين لا يأتي من باب التصعيد الكلامي فقط، بل إن الأتراك باتوا ملزمين بإجراء عسكري ضد الأكراد، للقضاء على أي أوهام انفصالية، ولتوجيه رسالة حاسمة إلى حلفائه الأميركيين يردعهم عن السير بخيار التقسيم.
لعل أردوغان اليوم يبدو في أسوأ مراحل تدخُّله في سورية، إذ لم يستطع منع الجيش السوري من التوجُّه لتحرير إدلب، بالرغم من كل ما قام به من تصريحات وتوجيه المجموعات الموالية له للقتال إلى جانب "جبهةالنصرة" ضدالجيش السوري، وهاهو يتجه لخسارة إدلب، ويشهد على محاولة تأسيس كونتون كردي انفصالي على حدوده الجنوبية.
أما إيران وسورية فهما يرفضون الإجراء الأميركي بالتأكيد، لكنهم يأجّلون العمل العسكري ضد الأكراد إلى مرحلة لاحقة، كون تحرير إدلب يبدو اليوم أكثر أهمية، خصوصاً بعدما كان أحد المسؤولين الإيرانيين قد اعتبر في وقت سابق أن تحرير الرقة سيكون الخطوة التالية بعدالانتهاء من"داعش"، لكن تراجع أردوغان عن الوعودالتي قطعها بإنهاء "جبهة النصرة"، واستغلال الأتراك فرصة الانخراط في تأمين مناطق خفض التوتر للتوغُّل عسكرياً في سورية، فرض على الحلفاء تغيير الخطة والاتجاه إلى إدلب بدل الرقة.
إذاً، تبدو الأيام المقبلة مليئة بالتطورات في الشمال السوري، ويبدو التهديد التركي لعفرين جدياً هذه المرة، وتشير كل التطورات إلى أن القوات الكردية ستُترك لمصيرها في عفرين، ولن يدافع عنها الأميركيون ولن يحميها الروس، وهكذا يكون أمام الأكراد حل من إثنين: إما القتال حتى النهاية في منطقة يطوّقها الأتراك من جهات ثلاث، أو التوسُّط لدى الروس لتأمين دخول الجيش السوري إلى المنطقة واستلامها ،وإبعا د شبح التدخل التركي عنها،وهوالخيارالأقل كلفة والأكثر ربحاً.