يبدو أن الحكومة التركية حسمت توجهها نحو التدخل العسكري في منطقتي عفرين منبج، على الرغم من التحذيرات الدولية من هذا التوجه، حيث أن أنقرة تعتبر أن وحدات "حماية الشعب الكردي"، المتواجدة في المنطقتين، تشكل تهديداً على أمنها القومي، في حين لم تنجح التطمينات التي قدمتها الولايات المتحدة، بالنسبة إلى المعلومات التي تحدثت عن سعي واشنطن إلى تشكيل قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألفاً، في إرضائها، بالرغم من تأكيد وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون أن هذه المسألة أسيء طرحها.
وفي حين تؤكد أنقرة أنها ستنسق مع كل من طهران وموسكو في العملية الجوية التي تنوي القيام بها في عفرين، هناك العديد من النقاط التي ينبغي التوقف عندها، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة لـ"النشرة"، لا سيما بالنسبة إلى غياب الحماية الأميركية الداعم الأول لقوات "سوريا الديمقراطية"، التي تعتبر وحدات "حماية الشعب الكردي" عمودها الفقري.
في هذا السياق، تشير هذه المصادر إلى أن واشنطن تؤكد أن لا علاقة لها بمنطقة العمليات غرب نهر الفرات منذ أشهر طويلة، وهي في السابق كانت قد طلبت من القوات الكردية الإنسحاب نحو شرق الفرات بعد إنتهاء عملية طرد عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي من منبج، وتلفت إلى أن هذا الأمر دفع بمجلس منبج العسكري، التابع لقوات "سوريا الديمقراطية"، إلى طلب الحماية من الجانب الروسي، حيث تم الإتفاق على نشر قوات من حرس الحدود السوري في المناطق الفاصلة بين تلك القوات وفصائل "الجيش السوري الحر"، العاملة ضمن عملية "درع الفرات"، المدعومة من أنقرة.
بالنسبة إلى عفرين، تشير هذه المصادر إلى أنها خاضعة لسيطرة قوات "سوريا الديمقراطية"، لكن هذه القوات لا تحظى بدعم الولايات المتحدة، الأمر الذي دفعها لدى بدء الحديث عن عملية عسكرية تركية باتجاهها إلى التنسيق مع موسكو، التي وضعت فيها نقاطا عسكرية، لكنها توضح أن الأوضاع اليوم مختلفة، نظراً إلى أن روسيا كانت في تلك المرحلة على خلاف مع الجانب التركي، بينما في الوقت الراهن التنسيق قائم بين الجانبين من خلال مسار الآستانة، وهو ما تُطرح حوله علامات الإستفهام حول موقفها في حال تنفيذ أنقرة تهديداتها، مع العلم أن دمشق تعتبر منذ البداية الوجود التركي داخل أراضيها غير شرعي، وهناك معلومات عن مبادرة تسعى بعض الشخصيات الكردية في عفرين لطرحها للتنسيق مع الحكومة السورية.
حول هذا الموضوع، يلفت مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أنقرة على ما يبدو ذاهبة نحو المزيد من التصعيد، مع العلم أن عفرين هي داخل الأراضي السورية وقوات "سوريا الديمقراطية" لم تقم بأي تحرك اتجاه الأراضي التركية، مؤكداً أنه في حال تنفيذ التهديدات التركيّة سيكون هناك مقاومة.
ويشدد خليل على أن الأكراد ليسوا ورقة بيد أي جهة خارجية، لافتاً إلى أن التجربة أثبتت أنهم كانوا الأكثر قدرة على قراءة المتغيرات السياسية وعلى الوصول إلى نقاط مشتركة مع التحالف الدولي والجانب الروسي، كاشفاً أن موسكو تسعى إلى إعادة أجهزة النظام إلى عفرين، لكنه يؤكد أن هذا الأمر مرفوض، ويتوقع ألاّ تبقى واشنطن متفرجة في حال حصول أي إعتداء تركي، إلا أنه يقول: "نحن نعول على شعب عفرين وعلى القوة العسكرية التي لدى سوريا الديمقراطية"، نافياً وجود أي مبادرة لتسليم المنطقة إلى الحكومة السورية.
من جانبها، تجزم مصادر في حزب "الإتحاد الديمقراطي" الكردي، في حديث لـ"النشرة"، أن الولايات المتحدة لن تسكت عن أي إعتداء على عفرين، خصوصاً أن قوات "سوريا الديمقراطية" المتواجدة في عفرين هي نفسها الموجودة في الجزيرة، لافتة إلى أن "هناك حلف وإتفاقات بين الجانبين"، بالرغم من تأكيدها بأن إرتكاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "حماقة" أمراً متوقعاً، خصوصاً أن موقفه العدائي تجاه الأكراد معروف وتوجهاته السياسية والعسكرية في سوريا لم تعد خافية على أحد، وتضيف: "هو في أزمة داخلية ودولية، ويسعى إلى حرف الإتجاه عن ذلك".
على صعيد متصل، تؤكد هذه المصادر أن إقتحام عفرين ليس بالأمر السهل، لا سيما في ظل غياب أي غطاء دولي لمثل هذا التحرك التركي، بالرغم من تلميحها إلى إمكانية غض موسكو النظر عن تدخل أنقرة لمسافة قصيرة، للضغط على الأكراد لتسليمها إلى دمشق، لكنها تشير إلى أن هذا الأمر رفض في السابق وسيرفض اليوم، موضحة أن التواجد الروسي في عفرين هو عبارة عن مراكز عسكرية فقط.
في المحصلة، ستكون الأيام المقبلة فاصلة على هذا الصعيد، في ظل تصاعد التهديدات التي يطلقها مسؤولون أتراك، فهل تطلق أنقرة عملياتها العسكرية باتجاه عفرين أم تصطدم بالمواقف الدولية الرافضة لذلك؟.