لقد مر عام على الذكرى الثانية لتوقيع تفاهم معراب الذي وقع في ١٨ كانون الثاني ٢٠١٦، حيث تم تخطي صفحة بشعة في العلاقات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
لكن وبحسب مصادر سياسية لبنانية، وبناء على معطيات ومواقف واضحة، فإن التباينات الثنائية التي طبعت النصف الثاني من سنة ٢٠١٧ تركت اثرها في التفاهم، كما على العلاقة بين القيادتين وبين جمهورهما .
ولاحظت المصادر انه وعلى أبواب الانتخابات النيابية بدأ كل من النائب ابراهيم كنعان والوزير ملحم الرياشي عرابا هذا التفاهم، تحركا مكثفا لرأب ما تصدع في العلاقات بين هاتين القوتين المسيحييتين، خاصة وان غالبية المنتسبين اليهما تلقّفا بارتياح واطمئنان التقارب بين رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع لرغبتهما في استئناف علاقة طبيعية على مستوى القاعدة، بعد ان مرّت هذه العلاقات بمراحل صدامية عنيفة خلال القرن الماضي.
وترى المصادر ان لكل من الفريقين رواية للمسار الذي أنتج تباينات بينهما وأدى الى هز هذا التفاهم اكثر من مرة، ابتداء بواقعة ترشيح مبكّر للقواتيين غير مفهوم لدى العونيين، لفادي سعد في دائرة البترون، مرورا بالمعارضات المتكررة لوزراء جعجع في الحكومة في اكثر من ملف طرح في مجلس الوزراء، وتحديدا الكهرباء والتشكيلات الدبلوماسية ثم القضائية والتعيينات الإدارية، وكان ملف تلفزيون لبنان والآلية التي اعتمدت لتعيين رئيس ومجلس ادارة، والتي جاءت بـ٣ مرشحين لرئاسة مجلس ادارته، احدهم من اكثر المناوئين للرئيس ميشال عون، وهو يجاهر بموقفه هذا، والذي اطلق شرارة كل ما تراكم لاحقا من تباينات .
وتعتقد المصادر ان كلاًّ من كنعان والرياشي دفعا للعودة الى التهدئة ورأب الصدع وما تأثر من بنيان الثقة بينهما، متوقعة ألاّ يكون هذا الامر سهلا، لكن هذا لا يعني أنهما ليسا قادرين على ادارة خلافهما بأقل قدر ممكن من التشنج .
وقالت المصادر انه اذا صحت رؤية كنعان بأن التفاهم لن يكون بالضرورة تحالفات انتخابية بل يحمل أهدافا استراتيجية، فهذا يعني ان هناك حذر لدى هاتين القوتين من التوقعات التي يطلقها خبراء في العمليات الانتخابية والإحصاءات، والنتائج المتوقعة للانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل حسب القانون الجديد، حسب ما العارفون بانها ستتيح للثنائي الشيعي وحلفائهم ايصال العدد الكافي من النواب الى المجلس النيابي، وبالتالي سيطرة هذا الفريق على الحياة السياسية للسنوات الأربع المقبلة، وهذا ما أشار اليه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في وقت سابق .
ولاحظت المصادر نفسها ان العلاقات بين القوات والتيار الوطني الحر، كانت وما زالت علاقات تركز على أحقيّة من يملك التحكم بالشارع المسيحي، وبالتالي تمثيله في السلطة، بعيدا عن الامور الاستراتيجية التي لها بعد وجودي للمسيحيين في المنطقة العربية، بعد ما لحق بهؤلاء من اضطهاد وتشرذم في عدد من الدول العربية وخاصة في العراق، خلال احداث ما سمي "بالربيع العربي".
ورأت المصادر ان المطلوب من هاتين القوتين اذا كانا بالفعل حريصان على المصالح الاستراتيجية، ان ينتهجا اسلوبا مغايرا، ويعمدا فعلا لا قولا الى توحيد استراتجياتهم بعيدا عن الحسابات الانتخابية، لان وصول نواب مسيحيين الى المجلس النيابي غير موحّدين حول عدد من الملفات المهمّة، كما هو الحال لدى طوائف اخرى، سيزيد من تقهقرهم ويجعلهم عاجزين عن مواجهة المرحلة السياسية المقبلة، التي تتطلب النظر الى المصالح الاستراتيجية البعيدة المدى لا الى عدد المقاعد النيابية المشرزمة .