تشكّل السنة الأولى فرصة للتعرّف على ماهية الجديد لكلّ رئيس في أيّ بلد في العالم، خصوصاً في البلدان الصانعة للسياسة والحروب، وبصورة أخصّ في بلد كأميركا تتبدّل فيه مع الرئاسات بعض السياسات، للتعرّف على حدود التغيير والجديد الذي سيقدّمه الرئيس الجديد، قياساً بالمقارنة بين وعود الانتخابات وتطبيق السياسات. ولا تكون السنة الأولى موضوع كشف حساب مؤسّس على جدول مقارن بين ما كان قبل وما صار بعد، ولا بين الوعود والصدقية، بقدر ما تتشكل مع نهايتها انطباعات لدى الرأي العام في الداخل والخارج، لدى النخب والقادة تصنع صورة إجمالية عن رئيس خارق أو عادي أو أقلّ من عادي، وبحالات نادرة عن رئيس سيّئ وفاشل وغير جدير بالاحترام.
قلة هم الرؤساء الأميركيون الذين تركوا الانطباع بأنهم رؤساء خارقون بعد سنتهم الأولى، بل إنّ أغلبهم اكتسب هذه الصفة بعد خروجه من البيت الأبيض، خصوصاً بالمقارنة مع خلفه وما يقدّم. ولعلّ هذه هي حال الرئيس السابق باراك أوباما بعد السنة الأولى من عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث ظهر الرئيس المثقف والمهذّب واللائق والديمقراطي والعقلاني والحضاري والإنساني والمتمدّن، لأنّ المقارنة تمّت وتتمّ مع رئيس وقح وقليل التهذيب وطويل اللسان وبذيء التعابير وعنصري التفكير ومعادٍ لغير البيض والمرأة، وتافه ثقافياً، عديم القراءة والمتابعة والاطلاع، وحادّ الطباع وعدواني لا يعترف بحق الإعلام ولا بحق الاختلاف، وعلى المستوى البشري قليل الذوق في اللباس والطعام.
في السياسة مرّت السنة الأولى وانتهت بإحباطات لكلّ الذين توقعوا منها المتناقضات. فهي محبطة للذين توقعوا حروباً تحسم الصراعات لصالح مفهوم العظمة الاستعمارية الأميركية المعادية للشعوب وقوى المقاومة والحرية، بقدر ما هي محبطة للذين تأمّلوا انفتاحاً على لغة التسويات والحلول السياسية تأخذ بالاعتبار التوازنات التي فرضتها المواجهات وتجنّب العالم المزيد من التوترات بلا جدوى، فجاء جباناً بنظر طالبي الحرب، وجباناً بنظر طالبي التسويات، كاذباً بنظر هؤلاء وكاذباً بنظر أولئك. كثير الأقوال قليل الأفعال بحساب مَن وعدهم بالحروب، وكذلك لمن وعدهم بالحلول. وفي الشق الداخلي تبخّرت أميركا أولاً، فلا خرج من حروب وعد بالخروج منها، ولا خفض الإنفاق العسكري بل زاده، ولا أعاد بناء وترتيب المنشآت العمرانية، ولا أصلح النظام التعليمي ولا صحّح النظام الصحي.
لا يبدو دونالد ترامب كغلطة أميركية بقدر ما يبدو التعبير الأقرب عن حال أميركا، فهي تحتاجه لاعب كلام يعوّض ضعفها وعجزها، وتحتاج عنترياته على تويتر تُرضي به شيخوختها، بادّعاء الفتوة الكاذبة، لكن المهزلة التي تضجّ بالحديث عنها صالونات السياسة والصحافة والمقالات والتعليقات، تبدو متناسبة مع حجم الإخفاق الذي تحتاج أميركا أن ترى من خلاله نفسها في المرآة، ويكفي مثالاً قرار اعتماد القدس عاصمة لـ«إسرائيل وزيارة نائب الرئيس الأميركي إلى المنطقة لتسويقها كمثال على الهزال الأميركي الذي كان دوماً يقف مع إسرائيل ، لكنه لم يكن يوماً يقف وحده كما هو اليوم، وفقاً لوقائع اجتماعات مجلس الأمن الدولي وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصولاً لوقائع زيارة مايك بينس إلى المنطقة، والتي لا تعادل قيمتها ما تعبّر عنه قيمة اسم صاحبها.