في ختام مؤتمر دافوس، نُقل عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قوله في جلسة مقتضبة وبعيدة من الإعلام: «هذه أيام جيّدة لإسرائيل». ذلك أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب باشر ضغوطَه على الفلسطينيّين لحَملهم على انتزاع موافقتهم على الخطّة الجديدة للسلام والتي تُناسب بنودُها مصالحَ إسرائيل وحدها دون سواها.

ترامب كان قد هدَّد السلطة الفلسطينية بأنّه في حال عدم الاستجابة للخطّة الموضوعة والجلوس حول طاولة المفاوضات الشكليّة مع الإسرائيليّين، فإنّه يقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية وسيُغلق مكتب منظّمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، في وقت تتحدَّث فيه التقاريرُ عن انهيارٍ اقتصادي وشيك في غزة، وعن نوايا خليجيّة لإزاحة الرئيس محمود عباس وإحلال محمد دحلان مكانه.

بمعنى أوضح، فإنّ الظروف تبدو مؤاتية وفق حسابات البيت الأبيض لفرض التسوية المطروحة.

وخلال الزيارة التي قام بها نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس إلى المنطقة، تمّ البحث بوضوح في الخطة المقترحة والتي يُريد ترامب إنجاحها في أقرب وقت ممكن.

ووفق ما نقلته أوساط ديبلوماسية معنيّة، فإنّ بنس وخلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني أوكَل الى مصر والأردن التواصل مع السلطة الفلسطينيّة وإيجاد السبل المطلوبة لإقناعها بالقبول بالتسوية المطروحة.

هذه التسوية التي يَعتبرها الفلسطينيون كارثةً فعليّة ترتكز على عددٍ من البنود أبرزها:

1 - أن تضمّ إسرائيل مساحات من الأراضي التي احتلّتها عام 1967 والتي كانت تشكّل سابقاً أراضي السلطة الفلسطينية وهي تبلغ نحو 15 في المئة وموجودة ما بين الضفة الغربية والقدس.

2 - القدس عاصمة إسرائيل.

3 - أن تكون عاصمة فلسطين خارج نطاق ستة كلم2 عن القدس.

4 - ممنوع على السلطة إنشاء جيش نظامي، وأن تقتصر قواها على الشرطة ووفق مهمات داخلية فقط.

5 - أن يستمرّ التنسيق الأمني بين الفلسطينيّين والإسرائيليين الى أقصى حدوده.

6 - إسقاط بند عودة فلسطينيّي الشتات، وإيجاد حلول لهم في البلدان التي تستضيفهم.

وعلى رغم صعوبة وقساوة بنود الخطة، فإنّ الرئيس الأميركي الغارق في أزماته الداخلية، عازمٌ على فرضها لاقتناعه بأنّ الظرفَ بات ملائماً.

فعدا الواقع الفلسطيني الصَّعب والاستسلام العربي، فإنّ التطوّرات الحاصلة في سوريا تضيف من منسوب التفاؤل لدى نتنياهو. فخلال الساعات المقبلة، سيزور رئيس الوزراء الإسرائيلي موسكو في رحلة سريعة ولساعاتٍ معدودة، والهدف لَجم إيران في سوريا ومنعها من الشّغب ضدّ خطّة التسوية المقترحة.

ووفق أوساط ديبلوماسية مطّلعة، فإنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي سيحمل معه مهمّةً جديدة تتعلّق باستهداف المزيد من الأهداف الإيرانية ومواقع «حزب الله» في سوريا، وهو ما يتطلَّب إعادة «تحديث» التنسيق الجوّي المعمول به منذ دخول روسيا العسكري إلى سوريا.

والواضح أنّ إسرائيل تريد من جرّاء ذلك إصابة ثلاثة عصافير بحجرٍ واحد:

الأول: منع إيران من التحرّك لإجهاض الخطة الموضوعة. وهو ما يُفسّر محاولة الاغتيال التي تمّ تنفيذُها في صيدا بحق أحد كوادر حركة «حماس»، والذي كان بمثابة أحد ضباط الارتباط بين «حزب الله» و»حماس».

الثاني: الاستمرار في خطة ضرب نفوذ إيران في المنطقة الممتدَّة بين العاصمة دمشق والحدود الجنوبية، سعياً وراء إضعاف هذا الحضور الى الحدّ الأدنى الممكن.

والثالث: انتزاع اعتراف روسيا بدورٍ إسرائيلي دائم ولو من خلال الجوّ في المنطقة الجنوبية لسوريا.

وهذا الواقع يُلائم روسيا أيضاً، التي تخوض معركة حضور ولكن على نطاقٍ أوسع، خصوصاً في الشمال السوري حيث تعمل على التقاط أوراق مهمّة على حساب الأميركيّين، كالورقة التركيّة على سبيل المثال. وهو ما يَعني ضمان مساندة اللوبي اليهودي الأميركي في وقت يُعلّق فيه الرئيس الأميركي آمالاً كبيرة على اللوبي اليهودي في معركته الداخلية الصعبة.

فقبل يوم واحد من بدء تركيا عملية عفرين العسكرية ضدّ الأكراد، لفتت زيارة وفد تركي ضمّ مسؤولين أمنيّين كباراً إلى موسكو بهدف فتح المجال الجوّي في شمال سوريا أمام الطائرات العسكرية التركيّة.

صحيح أنّ روسيا تُدرك جيداً أنّ توجيهَ ضربة للأكراد ستعني ضربةً لأحد أهمّ القوى المتحالفة مع الجيش الأميركي، لكنّ الهدف الروسي الاستراتيجي يبقى في السعي إلى اختطاف تركيا من حضن حلف شمال الأطلسي، وبالتالي من دائرة النفوذ الأميركي، وهو ما جعل موسكو تُجاري المشروع التركي في عفرين.

ولذلك «نصَحَت» موسكو دمشق المعارضة للعملية التركية، بعدم تورّط الجيش السوري في مساعدة الأكراد وفتح طريق الإمدادات لهم من حيث يتواجد، شرق عفرين. فالوضع العسكري للأكراد يدفعهم إلى التواصل والتفاهم مع دمشق، لكنّ «النصيحة» الروسية تستند الى منطلقات أخرى.

ففي الحسابات أنّ تركيا التي تُريد السيطرة على عفرين للحيلولة دون إنشاء معبرٍ أو منفذٍ كردي يبدأ في القامشلي وينتهي عند الشاطئ، إنما تهدف فعلياً إلى السيطرة لاحقاً على منبج التي تشكّل بوابة المنفذ البحري الكردي.

وهذا الهدف بالذات سيستدعي تدخّلاً أميركياً ولو بطريقة غير مباشرة، وبالتالي العمل على إجهاض العملية التركية. فلماذا توريط الجيش السوري في قتالٍ مُكلف تستفيد منه الولايات المتحدة الأميركية، لا بل على العكس يجب الاستفادة من هذا الواقع لتحقيق مكاسب أهمّ وتُعتبر أكثرَ أولوية، والمقصود هنا ادلب.

ففي الوقت الذي كان فيه الجيش التركي يدخل عفرين الى جانب القوى المتحالفة معه، كان الجيش السوري يقتحم الجزءَ الشرقي من محافظة إدلب ويُلاحق مجموعات «جبهة النصرة» التي تبلغ زهاءَ الألفَي عنصر.

ووفق المعلومات، فإنّ الجيش السوري والقوى المتحالفة معه، يستمرّان في التقدّم، ويسعيان للوصول قريباً الى مدينة إدلب تمهيداً للدخول اليها.

لكنّ هذه الصورة المتشابكة ليست كاملة. إذ إنّ للجانب الأميركي حساباته أيضاً، وهي غالباً ما تكون أكثرَ مكراً وخبثاً. فواشنطن التي عانت ولا تزال من سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تُدرك أنّ هذا الأخير يريد توظيف عمليّته العسكرية في سوريا داخلياً وتحديداً في معركة إعادة انتخابه سنة 2019، أو حتى التحوّط من احتمالات حصول انتخابات مبكرة هذا العام.

ولذلك قد تكون تعمل على نصب فخّ لأردوغان من خلال تركه أو ربما تشجيعه على عملية عفرين لتحقيق الأهداف الآتية:

1 - تلقّي الأكراد ضربة قاسية تُزيل من قاموسهم إقامة «كردستان سوريا» وبشكل نهائي، والقبول بدلاً من ذلك بمنطقة حكم ذاتي ضمن الدولة السورية.

2 - إعادة فتح قنوات التواصل بين الأكراد ودمشق، وهوما يُمهّد لتسهيل التسويات والحلول المطروحة، وعلى قاعدة خفض سقف مطالب الأكراد.

3 - دفع النظام السوري إلى الإسراع والتورّط في عفرين ومساعدة الأكراد، ما يضع الجميع في مستنقع واحد. لكنّ هذا الهدف أجهَضته روسيا حين نصَحَت دمشق بعدم التورّط وترك مهمّة «تقليع الشوك» لواشنطن التي ستُسارع لمنع تركيا من توسيع حملتها لتصل الى منبج.

4 - دخول تركيا في المستنقع الكردي وتحويل طموح أردوغان بتحقيق انتصار كاسح على الأكراد، الى حرب استنزاف بحقّ الجيش التركي، وهو ما سيُهدِّد حملته الإنتخابية السنة المقبلة. وستعمد واشنطن الى تأمين الدعم المطلوب للأكراد لتشجيعهم على المقاومة وحيث طال أمَدُ الحملة التركية على عفرين، والأهمّ تشجيع الأكراد في جنوب تركيا للتمرّد وشنّ حرب عصابات قاسية على أمل أن يدفع ثمنها أردوغان سياسياً.

من أجل كل ذلك، يبدو نتنياهو مغتبطاً، ما جعله يُردّد بوضوح أنّ هذه الأيام هي أيام إسرائيل.

فتشابكُ الخيوط والدخول في مآزق وتعقيدات فيما يسعى البعض إلى استرضاء إسرائيل ومنحها دوراً في سوريا، إضافة الى قرب تحقّق الحلم الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينيّة ولو من خلال إطارٍ شرعي عبر تسوية وهميّة، كلّ ذلك يصبّ في مصلحة إسرائيل، إلّا إذا ظهَرت مفاجآت غيرُ محسوبة، وتاريخ الشرق الأوسط حافل بالمفاجآت غير المحسوبة.

فبعض الأوساط الديبلوماسية يتوقّع عودة أقوى للعمليّات الإرهابية، وفي مناطق جديدة مثل أفغانستان، لكنّ الأهمّ هو «الخشية» من أعمال إرهابية خلال بطولة كرة القدم في روسيا بعد أشهر معدودة، وهو ما يَسمح لـ«داعش» باستعادة بريقه، وربّما لغيره بتوجيه لكمة إلى الرئيس فلاديمير بوتين الذي كسَب أوراقاً كثيرة في الشرق الأوسط خلال المرحلة الأخيرة.