ما يحدث بين حركة أمل والتيار الوطني الحر يثير القلق. فهي المرة الأولى التي تتطور فيها أزمة عين التينة ـ الرابية وتصل حداً غير مسبوق في التخاطب على خلفية ما سُرّب عن وزير الخارجية جبران باسيل وما أعقب ذلك من تحرّك في الشارع.
تباينات حقبة ما قبل انتخاب العماد ميشال عون وما رافقها بقيت ضمن حدود اللعبة الديمقراطية، رغم الافتراقات في ملفات كثيرة. فما الذي تبدّل؟ وهل خرجت الأمور عن سيطرة حزب الله وقدرته على ضبط قواعد الاشتباك؟
تؤكد أوساط سياسية مقربة من حزب الله لـ «البناء» أن حزب الله عجز عن التقريب بين وجهتي نظر حليفيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. فهو لم يتمكّن من حلّ خلافهما على خلفية أزمة مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة العام 1994. ولم يستطع ضبط إيقاع تداعيات المناكفات التي ظهرت علنية مع تشبث كل من بعبدا وعين التينة بموقفها من زاوية استناد كل منهما إلى خبراء دستوريين وقانونيين.
لم تكد تتوصّل مساعي حزب الله يوم أول أمس الى النجاح في إقناع التيار الوطني الحر وحركة أمل بوقف النار الإعلامي، حتى خرج فيديو مسرّب إلى العلن يُظهر باسيل وهو يشتم الرئيس بري بالقول: «هيدا بلطجي مش رئيس مجلس نواب». فيديو نسف التهدئة وفاقم تصاعد الحملة «الحركية» التي بلغت ذروتها في الساعات الأربع والعشرين الماضية ضد رئيس التيار الوطني الحر، مطالبة إياه الاعتذار أمام اللبنانيين والعالم، إذا أراد الاعتذار، علماً أن باسيل كان أسف لكون الكلام المسرّب خارج عن أدبيّاته. وهو كان نتيجة المناخ السائد في اللقاء البتروني. كل ذلك بمعزل عن أن رئيس الجمهورية كان يفضل، بحسب مصادر نيابية في التيار العوني، أن تبقى الأمور مضبوطة في الإطار الدستوري والقانوني ولا تنفلت إلى هذا النحو الشخصي.
يفضّل الحزب عدم تعميق الخلاف مع رئيس التيار البرتقالي، رغم تراكم التباينات حيال قضايا عديدة نشبت في الآونة الأخيرة، لكنه في الوقت نفسه سارع إلى مساندة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، مبدياً رفضه القاطع للكلام الذي تعرّض بالإساءة لبري شكلاً ومضموناً، ومشدّداً على أن اللغة المعتمدة في الفيديو المسرّب لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح، بل تخلق المزيد من الأزمات وتفرق الصف وتمزق الشمل وتأخذ البلد إلى مخاطر هو بغنى عنها، وداعياً إلى المسارعة بمعالجة هذا الوضع القائم بأعلى درجة من الحكمة والمسؤولية.
وسط هذا المشهد، تدعو الأوساط السياسية كلاً من الحركة والتيار إلى الأخذ بعين الاعتبار حرج موقع حزب الله ومكانته، وكذلك التحسب للتداعيات المفتوحة لمواقفهما على لبنان في المرحلة الراهنة.
لم يتوقف ملياً حزب الله عند خلاف التيار العوني – تيار المردة الذي نشب قبل الانتخابات الرئاسية، رغم محاولاته المتكررة ترطيب الأجواء طوال المرحلة الماضية، بيْد أن واقع الحال على جبهتي عين التينة ـ الرابية مختلف جذرياً. التيار الوطني الحر وحركة أمل طرفان كبيران في لبنان. الأول يستند إلى موقع الرئاسة الأولى والثاني إلى موقع الرئاسة الثانية، فضلاً عن انتمائهما الى طائفتين أساسيتين، وهما في الوقت عينه حليفان لحزب الله القوة التي يُحسب لها حساب في الخارج قبل الداخل.
لقد بادر حزب الله أمس، إلى الاتصال بحليفيه، لأنه المعني الاول بهما، علماً أن عملية ترميم ما كُسر ستكون عملاً قيصرياً سيأخذ وقتاً طويلاً. فمن الصعب التكهّن أن هذا الجهد سيبصر النور قبل الانتخابات النيابية. انتخابات ستشهد تغييراً على مستوى ما كان مرسوماً من تحالفات. وسيكون مشهد 29 كانون الثاني مقدّمة لما يشبه تعطيل النتاج الحكومي، بخاصة أن أداء مجلس الوزراء حالياً سيكون محكوماً بالتشنج والحساسيات.