– في سابقة قبل ستة أشهر وعلى خلفية التجاذبات الحادّة التي رافقت النقاش حول قانون الانتخابات النيابية ورغبة في تفعيل العمل الحكومي وطي صفحة التجاذبات، دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للقاء تشاوري لرؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة في قصر بعبدا، ونجح اللقاء في طي صفحات تجاذبات متعدّدة الأطراف، وشكّل الأرضية لتعاون حكومي وسياسي كان الإطار الذي واجه من خلاله لبنان أزمة احتجاز رئيس الحكومة في السعودية واستقالته تحت الضغط والإكراه.
– اليوم لبنان أمام خطر، مواصلة التدهور السياسي والإعلامي والشعبي وصولاً للأمني وانفراط عقد الانتخابات النيابية، وصولاً لتمديد جديد للمجلس النيابي يتجرّع اللبنانيون كأسه المرّة تحت ضغط خشيتهم على سلمهم الأهلي وأمنهم الشخصي، وأمن ممتلكاتهم، مع الانفلات الذي نشهد تحوّله أمراً مشروعاً ومشرعناً وشرعياً، مع مستوى العناد في الخطاب السياسي، واعتبار الاعتذار نقيصة، ووضع خطأ يرتكبه القادة السياسيون في ضفة موازية لفوضى الشارع الغاضب، وعرض التعادل بالنقاط في ضوء هذه المعادلة، وعفا الله عما مضى، وهذا يعني بقاء الجرح مفتوحاً ونازفاً، والانفعال والتفاعل وردّات الفعل إلى تصاعد. والجواب، أنّ الأمر عندنا انتهى، سامحناكم فسامحونا، وفي المقابل جواب جاهز، هذا الشارع عفوي ولا سيطرة عليه، ورمي المسؤوليات على الوسطاء باختراع معجزات للتسويات المستحيلة أو المرفوضة، وكلّ من زاويته تتفوّق الكرامات على كلّ الاعتبارات ويصير الشعار الكرامة فوق كلّ اعتبار، والعناد مفتاح الكرامة، ولا اعتبار للاعتذار في قاموس السياسة.
– المبادرة المطلوبة لا تزال من فخامة رئيس الجمهورية، الذي يملك كلّ القادة شجاعة القول إنهم يعتذرون منه لكلّ إساءة لحقت بشخصه وعائلته من مريد أو مؤيد لهم، لكن لا أحد من القادة تمادى أو يُقبل منه التمادي على فخامة الرئيس، وإلا استحق من الجميع طلباً علنياً بالاعتذار، اعتذار مثل الذي يطلبه الجميع من الوزير جبران باسيل عن كلام قاله هو بحق الرئيس نبيه بري، وليس كلاماً قاله شارع يمكن تجهيله وتجهيل مَن وراءه، ووصفه بالغوغاء، ولأنّ التسامح يجب أن يكون متساوياً، كما قال فخامة الرئيس، فالاعتذار ضرورة، من فخامته عن بعض الفوضويين، ومسامحته الأبوية لهم موضع تقدير، لكن هل يستوي هذا بذاك؟ وهل تصير المسامحة عن احتجاج فوضوي لشارع قرب مركز التيار الوطني الحر تعادل المسامحة التي طلبت من الرئيس بري للوزير باسيل دون الاعتذار؟
– ما قاله فخامة الرئيس عن تقدير الأخطار والتحديات والتصرف بوحي المسؤوليات، في مكانه، وترجمته تستدعي التوجه لفخامته، بترجمة هذا التقدير بالدعوة للقاء تشاوري في بعبدا لرؤساء الأحزاب المشاركة في حكومة مهدّدة بانفراط عقدها، لمناقشة وضع بلد مهدّد بانفراط أمنه وانتخاباته، مهما كثرت التطمينات والتعبيرات عن النيات الطيبة والحزم والعزم على إجراء الانتخابات في مواعيدها، وما الضير أن يبدأ الاجتماع، بالاعتذار من الرئيس نبيه بري، والتأكيد على لغة التخاطب السياسي الراقي الواجب بين القادة حتى في ذروة الخلاف، وما الخلل إنْ كان البيان الختامي المقترح مسودّة يحملها ممثل شخصي لفخامة الرئيس معروف بالاعتدال ومقبول الوفادة إلى القادة المدعوّين، ويضمن التوافق على مسودّة الوفاق والتوافق قبل تحديد موعد ليس ببعيد للقاء العتيد، يمكن له أن يكون قبل فتح باب الترشيح للانتخابات، ليطلق الموسم الانتخابي المقبل بأمان واطمئنان يستحقهما اللبنانيون ولبنان، وعندها فقط يمكن القول: عفا الله عما مضى.